أثيرت ضجة كبيرة في الشبكات الاجتماعية وغيرها حول قيام وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السيدة ذكرى الرشيدي بتعيين بعض أقاربها في وظائف استشارية، الأمر الذي دفع بعض النواب إلى توجيه الاتهامات يمنة ويسرة وصولاً ببعضهم إلى التهديد بالمساءلة النيابية.

Ad

 والأمر جدير بهذه الضجة ولا شك، ولم أكن لأدافع عن الوزيرة في ما فعلت، وذلك على الرغم من أنها كما يبدو لم تخالف القوانين التي تعطيها الصلاحية لتعيين من تراه مناسباً في مثل هذه الوظائف، ولم تنص في المقابل أبداً على عدم جواز تعيين الأقارب.

لكن ما أريد الوقوف عنده اليوم هو حقيقة أن مسألة التعيينات العائلية وتعيينات الترضيات وتعيينات المحسوبيات- يجب أن نعترف بها بكل شجاعة- ليست بالأمر الجديد في الكويت على الإطلاق، بل على العكس من ذلك تماماً، فهذه المسألة هي جزء صميم من طبيعة الحراك السياسي-الاجتماعي الذي تم التواطؤ على القبول به من مختلف الأطراف المجتمعية منذ عقود من الزمن، بعلم السلطة ومعرفتها بل برضاها ورعايتها، وذلك على كل المستويات!

التعيينات العائلية وتعيينات الترضيات والمحسوبيات تبدأ عندنا في حقيقة الأمر من أعلى الهرم، وذلك عند تشكيل الحكومات نفسها، والكل يعلم ذلك، فهناك حقائب وزارية ترصد حصراً لأبناء الأسرة الحاكمة لمراعاة ترتيب بيتهم الداخلي، وهناك حقائب ترصد لأبناء العوائل الكبرى لرسم خريطة توزيع مراكز القوى في الدولة، وهناك حقائب تترك للترتيب القبلي والطائفي، وفقاً لخارطة الموالاة والمعارضة والتقريب والإبعاد عند تشكيل الحكومة، وكل ذلك يجري، بطبيعة الحال، بعيداً عن معايير الكفاءة والاستحقاق الوظيفي كمعايير يجب أن ينظر إليها في المقام الأول.

والسلطة تدرك تماماً أن الوزراء الذين يقع عليهم الاختيار سيقومون بدورهم بتقريب المحسوبين عليهم عرقياً وفكرياً وتعيينهم في مكاتبهم وفي مفاصل وأروقة وزاراتهم، ويظل الأمر مقبولاً ومسكوتاً عنه لأنه ليس سوى حلقةٍ من حلقات الصفقة السياسية الكبرى التي يديرها النظام لترتيب المشهد السياسي-الاجتماعي في البلاد، من خلال إشعار أطراف بأنه قد صار لهم من "كيكة" الدولة نصيب، وإشعار أطراف أخرى بأنهم قد خرجوا من المولد بلا حمص وباتوا من المغضوب عليهم، وعليهم أن يعودوا إلى "جادة المهذبين" سريعاً!

مجلس الأمة نفسه في الكفة الأخرى يمارس بدوره شيئاً مشابهاً إلى حدٍ بعيد، ويكفيكم مثالاً أن تنظروا إلى كيفية قيام النواب باختيار طواقم السكرتارية الضخمة التابعة لهم، وكذلك تعيين المحسوبين عليهم عرقياً وفكرياً في إدارات المجلس المختلفة، بل في وزارات الدولة ومؤسساتها ومجالسها العليا!

إذن فالمسألة برمتها، وفي كل مستويات البلاد، تعيش حالة ضاربة من التعيينات العائلية وتعيينات الترضيات والمحسوبية، والوزيرة ذكرى الرشيدي لم تأتِ ببدعة لم يسبقها إليها أحد من العالمين، بل سارت تماماً على خطا أغلب من سبقوها، ومن هم حولها في مختلف الوزارات، وستمر حكايتها في نهاية المطاف برداً وسلاماً.

مسألة التعيينات الفاسدة، يا سادتي، ولتدركوا هذا جيداً، ليست سوى وجه صغير واحد من وجوه الفساد الكثيف الضارب في البلاد، والانشغال بها الآن والاستغراق فيها ليس سوى انشغال عن حقيقة الصورة الكبرى.