حضر بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي إلى جامعة بار-إيلان، المؤسسة اليمينية، حيث عبر للمرة الأولى عن دعمه لإنشاء دولة فلسطينية عام 2009، وأدلى بخطاب حظي باهتمام واسع، أكد النقاد أنه دليل على أن نتنياهو ليس جاداً بشأن عقد صفقة سلام، فقد ذكر باراك رافيد من هآرتس، ملخصاً رد الفعل العام: "عاد نتنياهو بعد أربع سنوات أكثر تشدداً من ذي قبل".

Ad

لكن ما لفت انتباهي لم يكن النقاط اليمينية التي تضمنها خطابه، بل النقطة التي غابت عنه بكل وضوح: إشارة نتنياهو المعتادة إلى القدس بأنها العاصمة الإسرائيلية التي لا يمكن تقسيمها، ولم تكن هذه مجرد هفوة عابرة، فكما لاحظتُ في شهر يوليو، لم يأتِ نتنياهو على ذكر القدس الموحدة علانية منذ إعادة انتخابه في شهر يناير.

كتب الصحافي الإسرائيلي أمير تيبون مقالاً جديداً في موقع "والا" الإخباري الإلكتروني الشهير بعنوان: "القلق بشأن اليمين: هل يقسم نتنياهو القدس؟" (صدر بالعبرية، إلا أن ج. ج. غولدبيرغ يقدم ملخصاً جيدا عنه في The Forward). ويبدو أن تيبون وأنا لسنا الوحيدين اللذين لاحظا غياب هذه النقطة، فقد بدأ بعض اليمينيين المتشددين يعبرون عن خشيتهم من أن تتحقق أسوأ مخاوفهم بشأن نتنياهو.

إذا تأملنا في الإغفال عن ذكر هذه النقطة وحده، يمكننا قراءته بطريقة مختلفة، كقرار استراتيجي، مثلاً، اتخذه نتنياهو لأنه لا يشاء إحراج الأميركيين خلال محادثات السلام، لكن هذه الخطوة جاءت بعد بضعة أسابيع من تأييد عضو الليكود في الكنيست، تزاتشي هانغبي المقرب جداً من نتنياهو، تقسيم القدس خلال مؤتمر "جي ستريت" (ولم يتعرض لأي توبيخ أو تنديد). ذكر هانغبي: "إنها لفكرة مبدعة أن نسمح لهم بفرض سيادتهم الخاصة في أحيائهم وإعلان ما يشاؤون إعلانه بشأنها، وسنفرض نحن سيادتنا على أجزاء أخرى". يشبه تيبون هذه التعليقات بما صرح به عام 2003 نائب رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت، داعماً فكرة الانسحاب من الأراضي، قبل أن يتضح للجميع أن رئيسه أرييل شارون يؤيد هو بدوره هذا الموقف. كتب: "إذا قالت تسيبي ليفني [كبيرة المفاوضين الإسرائيليين] ومبعوث نتنياهو إسحق مولهو وراء الأبواب الموصدة أموراً مماثلة لما عبر عنه هانغبي على المنبر في واشنطن، فعلى معارضي الاتفاق أن يخشوا الكثير".

أجريتُ مع ليفني أخيراً مقابلة نُشرت في مجلة Newsweek. فحاولتُ معرفة ما إذا كان موقف نتنياهو بشأن القدس ومسائل أساسية أخرى قد لانَ. أشرتُ إلى مقابلة أجرَتها ليفني خلال فترة ترؤسها المعارضة وذكرت فيها أن نتنياهو غير مستعد "لدفع ثمن" اتفاق (إشارة معتادة إلى تقسيم القدس والعودة إلى حدود 1967 مع مبادلة الأراضي). ثم سألتها عما إذا كانت تظن اليوم أنه مستعد حقاً لدفع هذا الثمن. صحيح أن جوابها لم يكن مباشراً، إلا أنه كان معبراً: "كل مَن يدخل غرفة المفاوضات، سواء أكان إسرائيلياً أو فلسطينياً، يدرك عموماً ما سيكون الثمن وما نحتاج إليه لندفع هذا الثمن".

يعتبر كثيرون فكرة أن بنيامين نتنياهو قد يقسم القدس غير مقبولة البتة، فقد وصل عام 1996 إلى منصب رئاسة الوزراء تحت شعار "سيقسم بيريز القدس"، لكن نتنياهو لن يكون أول رئيس وزراء يبدل رأيه بشأن مسألة ما، ولن يكون الثاني حتى. على سبيل المثال، أعلن إيهود باراك أن القدس خط أحمر قبل أن يوافق على تقسيم المدينة وفق الخطوط الإثنية خلال محادثات السلام في كامب ديفيد عام 2000، كذلك قدم إيهود أولمرت، الذي شن حملة عنيفة استندت إلى توحيد القدس خلال ولايتَيه كعمدة هذه المدينة، العرض ذاته عام 2008 خلال مفاوضاته مع محمود عباس (أخبرني أولمرت في مطلع هذه السنة، مشيراً إلى تلك المفاوضات: "كان من المحزن جداً طرح فكرة تقسيم القدس").

عندما أثار باراك للمرة الأولى مسألة تقسيم القدس عام 2000، كانت لا تزال فكرة مرفوضة داخل إسرائيل (في التسعينيات، كانت كل الأحزاب الإسرائيلية غير العربية من "الليكود" إلى "ميريتس" تؤيد الحفاظ على القدس موحدة). لكنها باتت اليوم طرحاً شائعاً، مع أنه مثير للجدل (لا تُعتبر الحدود الفاصلة واضحة دوما: يُعارض وزير المالية في حكومة نتنياهو يئير لبيد هذه الفكرة، في حين أن وزير الخارجية المتشدد السابق أفيغدور ليبرمان عبر عن دعمه لها في الماضي). علاوة على ذلك، شكك كثيرون في إمكان حصول اتفاق بشأن تقسيم القدس على التأييد خلال الاستفتاء، الذي وعد به نتنياهو. غير أن استطلاعات الرأي تُظهر أن نحو ثلثَي الإسرائيليين قد يرضون بذلك في إطار اتفاق ينهي الصراع، وهذا قبل أن تلقى هذه الفكرة الدعم الذي قد يسعى نتنياهو إلى حشده لها.

إلى أن يُرغِم انتهاء المهلة الأخيرة للمحادثات في شهر أبريل نتنياهو على اتخاذ قرارات صعبة، سنُضطر إلى الاكتفاء بالتخمينات بشأن نواياه الحقيقية، ولكن إذا كان نتنياهو قد بدل فعلاً موقفه بشأن القدس، يكون بذلك قد غير اللعبة. ونتيجة لذلك، يرتفع احتمال التوصل إلى اتفاق من صفر (ما من قائد فلسطيني يرضى باتفاق من دون القدس) إلى نحو 50%. لا شك أن العقبات التي تعيق درب الاتفاق ما زالت كثيرة (فكم بالأحرى تطبيقه؟). فحتى لو قبل نتنياهو بمبدأ التنازل عن الأحياء العربية في القدس الشرقية للفلسطينيين، تبقى مسألة ما إذا كان سيرضى (كما اقترح أولمرت) بفرض نوع من النظام الدولي على المدينة القديمة ومحيطها. ويجب ألا ننسى أيضاً القضايا الشائكة الأخرى: مصير المستوطنات الكبيرة المثيرة للجدل، مثل أرييل، ومطالبة الفلسطينيين بحق العودة (حق لم يرفضه نتنياهو وحده، بل ليفني أيضا)، دعوة نتنياهو الفلسطينيين إلى الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ومطلبه القديم بالاحتفاظ بوجود عسكري إسرائيلي طويل الأمد في وادي الأردن (مع أن هذا المطلب غاب أيضا عن خطابه في جامعة بار-إيلان). ولكن بخلاف القدس وغيرها من المسائل الكبيرة، تشكل هذه كلها نقاط اختلاف يمكن حلها بالقليل من الضغط الأميركي، المال الدولي، والضمانات الإقليمية (مثل تطبيع علاقات إسرائيل مع جامعة الدول العربية، كما تعهدت مبادرة السلام العربية عام 2002).

يمكن تأكيد أمر واحد بشأن نتنياهو: يرى نفسه من منظار تاريخي بصفته قائداً مختاراً، وقبل انتخاب حسن روحاني في إيران، سادت فكرة أن نتنياهو سيحاول أن يضمن لنفسه مكاناً في التاريخ بصفته رجل الدولة الإسرائيلي الذي حال، من وجهة نظره، دون وقوع محرقة ثانية. ولكن مع تراجع احتمال أن توجه إسرائيل ضربة إلى إيران، نتوقع أن يبحث نتنياهو عن متنفس آخر لغروره.

Ben Birnbaum