لم يعد يثير الاستغراب أن نرى سياستنا الخارجية تغرد خارج سرب الأحداث، أو تلتزم الصمت إزاء ما يجب الكلام فيه، أو تتوارى بخجل وراء مصدر مسؤول بدلاً من اتخاذ موقف واضح من أحداث لا تحتاج إلى تأويل، أو تتأخر في إعلان رأي صريح بعدما سبقها كل الناس.ليس لائقاً بحق دولة الكويت، التي كانت على مدى عقود صاحبة دور ورأي محترم في مجريات التطورات في المنطقة، أن تبدو سياستها الخارجية عرجاء أو مهيضة الجناح أو فاقدة للنباهة والمبادرة. هذا ما حصل بالأمس في ما يتعلق بأحداث مصر. فالكويت التزمت الصمت منذ بدأت إزالة اعتصام "الإخوان" ولم يبدر منها موقف يدعم الدولة الشقيقة إلا بعدما سبقتها إليه كل دول مجلس التعاون، وكأن ما قامت به الدولة المصرية إزاء مجموعة مسلحة تمارس العصيان أمر لا يستحق المؤازرة، أو كأن توصيف اعتصامات "الإخوان" المسلحة وسلوكهم الشائن في القتل والحرق، فيه قولان.مصر دولة شقيقة ومهمة وتستحق المسارعة إلى التضامن معها في كل الاتجاهات، ومصر التي قادت التضامن العربي معنا أيام الغزو، لها علينا واجب الوقوف الصريح معها في أيام محنتها. فما يجب أن نبادر إليه ليس تضامناً مع طرف سياسي ولا مع نظام ولا حتى مع ثورة ساندها الجيش لإطاحة حاكم خان أمانة صناديق الاقتراع وتفرد مع "عشيرته" بمصير الدستور والناس، بل وقفة واجبة مع دولة هي الأعرق والأقدم بين الدول العربية، وهي النموذج الذي نطمح إلى تماسكه لترسيخ مفهوم الدولة في مجتمعاتنا سواء في الخليج أو في كل أنحاء بلاد العرب والمسلمين.لا عذر لوزارة الخارجية في هذا التأخر المؤسف عن اتخاذ موقف داعم لخريطة الطريق التي أُعلنت بعد 30 يونيو. وكان جديراً بنا أن نساهم في توضيح الصورة لأصدقائنا الغربيين وخصوصاً الأميركيين الذين مازالوا مترددين في وصف ما جرى في 30 يونيو ويميلون إلى وصمه بصفات مليئة بالالتباس. واجبنا القول ببساطة إن ما جرى هو استكمال للثورة وليس انقلاباً بأي شكل من الأشكال.كان حرياً بنا، وزارة خارجية ومجلس أمة وهيئات حزبية وسياسية، أن نقول للغربيين الذين بدأوا التباكي على حقوق الإنسان حين تم فض الاعتصام: بربكم قولوا لنا كيف ينتهي احتلال "رابعة العدوية" و"النهضة" وأرشدونا إلى سبيل لم تسلكوه في فرنسا قبل سنوات لقمع المنحرفين وحارقي السيارات، أو لجأتم إليه في بريطانيا مستخدمين القوة لكسر التظاهرات غير المرخصة، على سبيل المثال.أما الأميركيون فيحتاجون منا إلى توضيح خاص، ذلك لأنهم آخر من يحق له التشدق بحقوق الإنسان في هذا الإطار. فيا أبناء العم سام تذكروا كيف أن حادثة واحدة هي جريمة 11 سبتمبر 2001 غيّرت كل مبادئكم ودفعتكم إلى اعتقالات بدون أسباب وبدون محاكمات وإلى مراقبة الاتصالات وإلى القتل بالطائرات بلا طيار، فكيف تريدون من أهل مصر وجيشها أن يريا دولة عمرها ستة آلاف عام تنهار بين أيدي فئة تريد تحت شعار "الإسلام" فرض تفسيرها الحزبي الضيق للدين على سائر الشعب المصري، وكيف تقبلون ازدواج المعايير؟ فهل ما يحق لكم لا يحق لنا، وهل ما ترونه صحيحاً يجب أن نتبعه كالعميان لنشارككم في ارتكاب أخطاء كارثية تورطتم فيها وورطتم منطقتنا ولا مجال لذكرها الآن؟لم يفت الأوان بعد، لا يزال المجال مفتوحاً أمام سياستنا الخارجية للعمل على دعم الأشقاء لأن مساندتهم هي مساندة لأنفسنا ولقيمنا ودرء للأخطار التي تتهددنا. فما قام به الحكم في مصر هو دفاع عن فكرة الدولة، وعن مدنيتها، وعن الوسطية، وعن اندراجها في المجتمع الدولي وحقها في التنمية والتطور بعيداً عن التخلف والتعصب ورفض الآخر تحت مسميات "ربيع إسلامي" لا يعرف من الربيع إلا الاسم ولا يعرف من الإسلام إلا تأويل من شوهوه من سيد قطب إلى أيمن الظواهري، ومن بينهما.آن الأوان لتستعيد سياستنا الخارجية بريقها. ونحن مؤهلون لهذا الدور ولا تعوزنا الكفاءات. نحتاج فقط إلى إرادة تنتبه إلى أن دفن الرأس كالنعامة والتبعية لا يبنيان سياسة، وأن التذرع الدائم بالتحوط والتبصر لا يؤدي إلا إلى التردد والإحجام. وهو ليس سلوك دول ورجال، بل سلوك موظفين مقموعين خائفين يعجزون عن التنسيق المتكافئ والجهر بالرأي الحر لتحقيق المصلحة الوطنية في علاقاتنا مع الدول الصديقة والشقيقة.
آخر الأخبار
افتتاحية: متى تستعيد الكويت دورها؟
19-08-2013