في العام المنصرم- خصوصاً في النصف الأول منه- تضررت الاقتصادات الناشئة بشدة من جراء الأزمة التي ضربت البلدان المتقدمة، حيث أصاب أوروبا الركود ولا يزال التعافي هزيلاً في الولايات المتحدة، لكن عام 2012 سيُذكَر أيضاً باعتباره العام الذي شهد بلورة التغيرات البنيوية وتعزيزاتها في الاقتصاد البرازيلي.

كانت الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في عام 2008 أشبه بأزمة "الكساد العظيم" في ثلاثينيات القرن العشرين، ليس من حيث عمقها وامتدادها فحسب، بل في ضوء الأخطاء السياسية التي ارتكبتها الدول المتقدمة وما أبداه صناع القرار السياسي من تردد، أيضاً. وما يثير القلق أن زعماء أوروبا يجدون صعوبة في الاتفاق على سياسات التعديل المالي الكفيلة بإتاحة المجال أمام تدابير التحفيز اللازمة لإنعاش النمو الاقتصادي. فحتى الآن، تصر الدول الأوروبية رغم ما تتمتع به من مساحة للمناورة المالية على خفض الإنفاق والاستثمارات، وهو ما أدى إلى جانب الزيادات الضريبية إلى تقليص النشاط الاقتصادي وزيادة البطالة، فضلاً عن تهديد عملية تحصيل الضرائب في نهاية المطاف، وبالتالي القدرة على ضبط الأوضاع المالية.

Ad

في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من التحسن الطفيف، فإن عدم اليقين لا يزال مخيماً على الأجواء، فإلى جانب المخاطر التي تفرضها "الهاوية المالية" في عام 2013، تظل المشكلة الأساسية قائمة: الافتقار إلى السياسات المالية الفعّالة القادرة على مواجهة التقلبات المالية الدورية- على سبيل المثال، برنامج للاستثمارات العامة- وتعزيز النشاط الاقتصادي. ولكن بدلاً من هذا، وضعت الولايات المتحدة كل رهانها على التيسير النقدي، فأطلقت العنان لما أطلقت عليه وصف "حرب العملة"، حيث يسعى المستثمرون العالميون إلى حصد عائدات أعلى، فيتدفقون على الدول الناشئة على النحو الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الصرف لديها.

ولقد ضربت هذه البيئة الدولية الهزيلة الاقتصاد البرازيلي في الأساس من خلال التجارة الخارجية، والمنافسة الشرسة في السوق البرازيلية، وأصداء التوقعات السلبية السائدة في الدول المتقدمة.

ولمكافحة الانكماش، نفذت حكومة البرازيل التدابير التي بدأت تعود عليها الآن بفوائد واضحة. وكان التغيير الرئيسي عبارة عن خفض كبير لأسعار الفائدة، ضمن إطار استهداف التضخم، وهو ما أدى إلى سياسة أكثر قدرة على المنافسة في التعامل مع أسعار الصرف. ولقد اقترن هذا بسياسة مالية حريصة على مكافحة التقلبات الدورية المالية، والتي نجحت في الإبقاء على العجز والدين العام تحت السيطرة.

والأمر الأكثر أهمية هو أن سياسات الحكومة ستخلف تأثيراً دائماً- وثورياً في واقع الأمر- على اقتصاد البرازيل. وسيصبح هذا أكثر وضوحاً على مدى عام 2013.

كانت أسعار الفائدة في البرازيل لمدة طويلة من بين أعلى الأسعار على مستوى العالم، وإلى جانب الإضرار بالحسابات العامة وفرض تضحيات مالية قاسية على البلاد، كان ارتفاع مستوى سعر الفائدة على القروض بين البنوك البرازيلية لليلة واحدة إلى حد غير عادي سبباً في قمع "الغرائز الحيوانية" لدى المستثمرين وتشويه عملية تخصيص الموارد، وإعاقة محاولات تنمية الأسواق العقارية وأسواق رأس المال، في حين أدى إلى ارتفاع قيمة العملة.

وبمرور الوقت، أدى استمرار هذه الظروف إلى تقويض القدرة التنافسية للصناعات المحلية، وتعويق مبيعات المنتجات البرازيلية، ليس على المستوى الدولي فحسب، بل في السوق المحلية القوية النامية، أيضاً. ثم سمحت جهود تثبيت استقرار الاقتصاد الكلي التي بذلتها الحكومة البرازيلية، مقترنة بالسياسات التي عملت على زيادة إمكانات النمو في البلاد، بانخفاض أسعار الفائدة على مدى العقد الماضي.

ولكن على الرغم من هذا، ظل سعر الفائدة على القروض بين البنوك البرازيلية لليلة واحدة مرتفعاً إلى مستويات غير متوافقة مع مواطن القوة الواضحة التي يتمتع بها الاقتصاد وانخفاض مستوى المخاطر. وكان خفض تكاليف الاقتراض من دون إطلاق العنان للتضخم من بين التحديات الرئيسة التي واجهت الرئيسة ديلما روسيف عندما تولت المنصب في بداية ذلك العام. وكانت عودة ظروف الأزمة إلى الظهور مجدداً، خصوصاً في منطقة اليورو، سبباً في منع استئناف النمو العالمي- وتقديم حوافز إضافية للتعجيل بالإصلاحات الداخلية.

كما تم تمديد عملية خفض أسعار الفائدة- التي استندت إلى سياسة ضريبية صلبة تم تمكينها من خلال إزالة العقبات المؤسسية (مثل الحكم الخاص بتعويض حسابات الادخار)- إلى النصف الثاني من عام 2012، الأمر الذي أدى إلى انخفاض سعر الفائدة السنوي الحقيقي إلى ما دون 2%. وأسفر هذا عن انخفاض كبير في فوارق أسعار الفائدة مع الدول الأخرى، وهو ما سمح، إلى جانب التأثير المترتب على سياسة التدخل الأكثر نشاطاً في الأسواق الفورية والآجلة، بدفع سعر الصرف إلى مستوى أكثر تنافسية على الرغم من حرب العملة العالمية.

ورغم أن هذين التغييرين الأساسيين باقيان، فإن الحكومة البرازيلية ذهبت إلى ما هو أبعد من هذا، فقد مضينا قُدُماً في جهودنا الرامية إلى الحد من الأعباء الضريبية من خلال خفض العديد من المعدلات، خصوصاً الضرائب المفروضة على الرواتب، فنجحنا بالتالي في خفض تكاليف توظيف العمالة من دون إلحاق الضرر بالقدرة الشرائية للعاملين، وهذا من بين الأسباب التي جعلت البرازيل الآن أحد الاقتصادات الكبرى القليلة على مستوى العالم التي لا تعاني مستويات بطالة مرتفعة.

كما يجري الآن تحديث البيروقراطية المالية، من خلال الاستعانة بالإخطارات الضريبية الإلكترونية وغير ذلك من الإصلاحات الإدارية التي عملت على تعزيز عملية التحصيل في حين سمحت بتراجع حجم الاقتصاد غير الرسمي.

ولتسريع وتيرة النمو الاقتصادي، كانت الأولوية لتحفيز الاستثمار والتعافي في قطاع التصنيع، وهو القطاع الذي كان الأكثر تضرراً بالأزمة الدولية. كما أطلقنا برنامجاً تجاوزت قيمته 60 مليار دولار لمنح الامتيازات في مجال الطرق السريعة والسكك الحديدية، ليعقبه برنامج آخر مماثل في مجال الموانئ والمطارات.

ونتيجة لهذه التدابير، بدأ الاقتصاد البرازيلي بالعودة إلى معدل نمو سنوي يبلغ نحو 4%، وهو ما ينبغي أن يستمر في عام 2013. والأمر الأكثر أهمية هنا هو أن التغيرات البنيوية التي تم تنفيذها لا تزال قادرة بشكل كبير على المساهمة في النمو في المستقبل. وفي ظل أسعار الفائدة المنخفضة، واستقرار الأسعار، وسعر الصرف الأكثر قدرة على المنافسة، وانخفاض الأعباء الضريبية، ووفرة من الموارد اللازمة للاستثمار، وخفض الرسوم على الطاقة الكهربائية، تعمل البرازيل على تعزيز قدراتها من أجل توسع أكثر سرعة.

ومن المهم هنا أيضاً أن نلاحظ الجهود المبذولة لإنهاء الحرب المالية بين ولايات البرازيل المختلفة، ففي ظل الإصلاح المستمر للضريبة المفروضة على توزيع السلع والخدمات بين الولايات، يحظى المستثمرون بقدر أعظم من الأمان والوضوح القانوني. وسنسعى أيضاً إلى إنهاء عملية التوحيد الضريبي لعدد من الضرائب الفيدرالية المفروضة على الفواتير التجارية.

وإلى جانب هذه الجهود، سعت الحكومة البرازيلية إلى ضمان بقاء معدل النمو السنوي عند مستوى أعلى من 4% لسنوات عديدة، على الرغم من التحديات التي تفرضها البيئة الدولية- وهي التحديات التي ستستمر لا محالة في عام 2013. ومن خلال النمو المستدام فقط سيصبح في الإمكان دفع نصيب الفرد في الدخل إلى الاقتراب من المستويات السائدة في العالم المتقدم.

وأكثر ما نتمناه الآن هو أن تساهم الدول الغنية- وليس فقط البرازيل وروسيا والهند والصين- في تعافي الاقتصاد العالمي، وإذا عملنا معاً في نفس الاتجاه، فسيكون الفوز من نصيبنا جميعا.

* "بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"