صار واضحاً أن نية الحكومة وعدد من نوابها تمرير الاتفاقية الأمنية الخليجية بغض النظر عن تعارضها مع الدستور الكويتي. ومع أن تعديلات جيدة تم إدخالها على الصيغة المعدلة للاتفاقية جعلت منها في حال أفضل من سابقتها، إلا أنها مازالت في عدة مواد تعاني خللاً ملحوظاً، وتعارضاً مؤكداً مع جملة من مواد الدستور.

Ad

الاتفاقية تنص على أنها ستدخل حيز النفاذ بعد مصادقة أربع دول عليها، وهو مبدأ معروف في القانون الدولي حيث لا يمكن لاتفاقية أن تصبح نافذة المفعول دون مصادقة أغلبية أعضائها المحتملين، وهذا لا يعني أن من لم يصادق عليها ملزم بها، وبالتالي تستطيع الكويت مثلاً أن تؤجل البت فيها إلى أجل غير مسمى، ومن ثم تتقدم بتحفظاتها عن جسم الاتفاقية الذي يتشكل بعد مصادقة الدول الأربع مطالبة إياها بإجراء التعديلات المطلوبة لكي يتم الاتساق مع مواد الدستور بهذا الخصوص. كما تستطيع الكويت أن تتحفظ عن بعض المواد كما قامت بذلك سابقاً مع عدد من الاتفاقيات الدولية مع الموافقة عليها. وأياً كانت قابلية تطبيق أي من الإجراءين فإن لكل منهما إشكالياته القانونية والسياسية، فهناك أكثر من رأي قانوني له وجاهته في معنى وجدوى التحفظ في الاتفاقيات الدولية، أما سياسياً فيبدو أن اندفاع الحكومة تجاه إقرار الاتفاقية قد أصبح محسوماً، وهي جزء من تكوين منظومة أمنية إقليمية في إطار الصراع المتوقع استفحاله بتداعيات الأوضاع في سورية والعراق ولبنان وغيرها.

وحتى لا نكون كمن يحرث في بحر فإن غالبية بنود الاتفاقية، حتى قبل المصادقة عليها، يتم تطبيقها بين دول الخليج بل ربما أكثر من ذلك سواء في تسليم المطلوبين أو تبادل المعلومات ومنع مواطنين خليجيين من دخول دول خليجية بناء على تعليمات بين هذه الدولة أو تلك. إذاً فإن أغلب مواد الاتفاقية وبالذات تلك المتعارضة مع الدستور مطبقة منذ زمن ولن يتوقف تطبيقها للأسف. كما أنه حتى مع المصادقة على الاتفاقية فدول الخليج بينها وبين بعض عناد متكرر، وتستطيع بكل سهولة التنصل منها وعدم الانصياع لها. وهكذا فمن غير المفهوم الإصرار عليها وكأن المقصود منها إثبات وجود أو إرسال رسالة ما لجهة ما.

الخاسر الأكبر في هذه المغامرة الهزيلة وغير المجدية هو الكويت ودستورها، فإقرار اتفاقية متناقضة مع الدستور، هو ضرب للدستور من خارج الحدود، وتقويض له بأيد كويتية تدعي أنها تريد الحفاظ عليه وعلى مبادئه ولا حول ولا قوة إلا بالله.