دخلت سنية إلى الغرفة حيث زينب ووالدتها، وهي تصرخ بأنفاس متقطعة:

Ad

= زينب... أمي. ألحقوا مصيبة... مصيبة كبيرة!!

- يا ساتر يا رب. مصيبة إيه أقعدي خدي نفسك أقعدي.

* خير يا سنية... في إيه؟

- استني عليها يا بنتي تاخد نفسها.

* جوزك بخير.

= الحمد... الحمد لله.

* طب فيه إيه اتكلمي؟

- بالراحة عليها.

= عمي... عمي محمود عرف إن زينب بتشتغل مغنية.

- يا ليلة مش فايته... إزاي؟

* حصل أمتى الكلام دا؟

= أمبارح بالليل.

- يعني انت يا سنية ما تستريش أبداً... ما تعرفيش تمسكي لسانك؟

= يكون حرام ما أنا اللي قلت له.

* أمال عرف منين... وإزاي؟

= واحدة جارتهم تعرفك. كانت معزومة في تياترو وقالت لمراته... ومراته طبعاً بتحب لنا الخير زي ما انت عارفة ما كدبتش خبر.

- وعمل إيه؟

= طلع الأول على البيت القديم. ما كانش يعرف انكم نقلتم وسيبتم البيت القديم. وملقاش حد يدله على البيت الجديد هنا. جاني نص الليل وعينيه بتطق شرار. قلتله ماعرفش العنوان لكن أعرف أروح. واتفق معايا هيعدي عليا بعد صلاة الجمعة النهارده علشان أجيبه هنا. وحالف بكتاب الله وراس أبوه ليجيب كرشك بسكينه ماسكها في ايده رايح جاي بيها.

* وانت عملتي إيه؟ ما صدقت النهار طلع سبت علي نايم وجيت على هنا جري. هو أنا نمت طول الليل.

- اسم الله يا بنتي من الخوف.

= لا من نقرظة علي. طول الليل وهو ينقرظني بالكلام... كلام يسم البدن. بس هنعملوا إيه استحملت لحد ما نشوف المصيبة الكبيرة هترسي على إيه.

كأن الصدمة أوقفت تفكيرهن.. جلسن لا يتحركن ولا ينطقن... ينظرن إلى بعضهن البعض كأنهن جلسن في انتظار قضاء الله وقدره. لا يعرفن ماذا يفعلن أو يقلن، حتى جاءت النجدة من خيرية التي جاءت على غير العادة مبكراً، في محاولة أخيرة للضغط على زينب للسفر معها، وفوجئت بما حدث لطمت خدها، ووقفت هي أيضاً من هول الصدمة صامتة، غير أن صمتها لم يدم، وكأن الحل كان جاهزاً في جعبتها:

- انتو تقوموا دلوقت تلموا هدومكم وتيجوا عندي في البيت. عمك ما يعرفش بيتي مش كدا؟

* أيوا ما يعرفش بيتك يا بنتي.

= آه والله فكرة حلوة دي يا خيرية.

* أيوا هنقعدوا عندك يوم... اتنين... أسبوع... شهر... وبعدين؟ ما ينفعش نقعدوا عندك على طول. بلاش كدا. مش هنخرجوا من البيت. لا هانروحوا ولا نييجوا. مش هنشتغلوا... مش هنكلوا ونشربوا... ولا هنقعدوا في البيت وانت هتصرفي علينا.

- إيه حيلك حيلك. انت كركبتي الدنيا على بعضها كدا ليه. نلحق بس نروح عندي البيت دلوقت. وهناك نفطروا ونشربوا الشي ونفكروا هنعملوا إيه.

= آه فكرتيني بالفطار. الساعة داخله على عشرة. زمان علي هيصحى من النوم دلوقت.

* قومي روحي انت يا سنية علشان خاطر جوزك قبل ما يصحى.

- أيوا بلاش يعرف اللي انت جيتي هنا. ولما عمك ييجي بعد الصلاة تجيبيه وتييجي على هنا كأنك ما تعرفيش حاجة... وطبعاً انت ما تعرفيش راحوا فين؟

- أوعي يا سنية تغلطي بكلمة قدام جوزك وتقولي احنا فين. بعدين يلا السلامة يا بنتي عمك قارش ملحة اختك من صغرها ولو شافها قدامه دلوقت هيدبحها زي الفرخة.

انصرفت سنية للحاق بزوجها قبل أن يستيقظ، فيما جمعت زينب ما استطاعت أن تحمله هي ووالدتها وانطلقتا إلى بيت خيرية للاختباء هناك، إلى حين هدوء ثورة عمها وابتعاده عنهما. ولكن كيف يهدأ، وهو كلما حاول ذلك أشعلت زوجته ناره مجدداً، فهي سبب كراهية العم لأولاد أخيه، منذ أن كان شقيقه على قيد الحياة، ولم يرق قلبه لأولاده بعد رحيله.

هروب إلى بيروت

ذهبت سنية بصحبة عمها وزوجها علي اللبان إلى بيت زينب الجديد، فجن جنونه عندما لم يجدها، ولم يجد من يدله من الجيران على مكانها:

= أختك وأمك فين يا سنية؟ لحقتي بلغتيهم وخبيتيهم.   

* أنا!! يكون حرام. طب سي علي قدامك أهو يقولك لو كنت اتحركت من البيت ولا شفت حد منهم.

- صحيح يا حاج. ما تنقلتش من مكانها من أمبارح من ساعة ما سبتنا.

= أمال راحوا فين؟ الأرض انشقت وبلعتهم. ما هو أنا لازم اخلص عليها وأغسل عارنا

* عار إيه بس يا عمي؟ هي كانت يعني استغفر الله العظيم!

= انت عايزاني استنى لما تبقى استغفر الله العظيم! طب ما البس طرحة ونحطوا «مستيكة» في بقي يا ست سنية.

= مش قصدي يا عمي. بس نتفاهموا معاها ونشوف غرضها إيه من كدا. ما هي بتقول انه فيش حدا بيسأل عليها ولا على أمنا. كانوا هيكلوا ويشربوا منين بس؟

= الله... يعني انت كنت عارفة ومخبية على جوزك!

- صحيح الكلام دا يا سنية... كنت عارفة؟

= ونعرفوا منين بس؟ هو أنا بخرج. دا كلام جاب بعضه وقت ما أبويا الله يرحمه مات... وكنا بنتكلموا على الورث والشراكة اللي بينك وبين المرحوم.

* ما علينا دلوقت ما تغيريش الكلام. انت عايزة تقولي أنك ما تعرفيش مكانهم؟

لم يكن رعب زينب وخوفها لأنها تخشى أن ينفذ عمها تهديداته ويقتلها فعلاً، فهذا لا يقلقها، حتى لو حدث، غير أن ما يقلقها ويجعلها تجلس مهمومة تفكر، أن هذا يجعلها محاصرة لا تغادر المكان الذي تجلس فيه، سواء كان بيتها أو بيت خيرية، أو أي مكان آخر، ما يعني أنها لن تعمل، لأنه حتما سيطاردها في كل مكان تعمل به أو تذهب إليه. كان لا بد من إنهاء المسألة معه بشكل ودي، ومحاولة إقناعه بأن يتركها تعمل فنانة، وهذا هو المستحيل بعينه. هذا ما دار بينها وبين نفسها، قبل مناقشة الأمر مع والدتها وصديقتها خيرية:

= أول حاجة نعملها نشوفوا مطرح جديد بدل المطرح اللي احنا واخدينه دلوقت.

* ما هو دا مش حل يا أمي. ما هو برضه مسيرة يعرف طريق المطرح الجديد. هنقعدوا كل يوم ننقلوا من مطرح لمطرح.

- مطرح جديد هو أنا مش ماليه عنيكم يعني؟

* يعني انت فاكرة اننا هنقعدوا معاك على طول انت رخره.

- وآني مش قد المقام!

* مش القصد. بس مسيرك تتجوزي... تروحي تيجي. هنقيدوك ليه؟

- ولا تقييده ولا حاجة.

= أنا بقول يا بنتي نرتب معاد مع عمك ونستسمحه ونقوله دي كانت غلطة وراحت لحالها وانك خلاص سبتي السكة دي وهتشتغلي خياطة... نجيبوا ماكينة... ولا اتنين ونشتغلوا عليهم سوا.

* كلام إيه يا أمي؟ انت زي ما يكون بتتكلمي عن حد تاني غير عمي كأنك مش عارفاه. عمي ما يهموش أني اشتغل مغنية ولا رقاصة. كل الحكاية أن قدامه فرصة ينتقم مني وخلاص. البنت اللي لسانها طويل ودلوعة أبوها... اللي وقفت له وكلمته في الورث... هو دا الموضوع.   

وبعدين أنا لو قابلت عمي هقوله بالفم المليان آني مش هنسيبوا الفن... وموتني.

= كلام أيه دا بس يا بنتي! احنا بنحل ولا بنربط!

* هو أنا مليش الحق طبعاً اني أتدخل بس يعني...

- بلاش الكلام دا انت كمان...

أنا عندي الحل. بس انتوا توافقوا عليه.

* وساكتة ليه ما تتكلمي؟

= أنا موافقة يا بنتي من قبل ما تقولي.

* استني بس يا أمي لما نشوف عندها إيه؟

- تقبلي العرض اللي عرضه عليك المتعهد بتاع بيروت ونسافر احنا التلاتة أنا وانت وخالتي... ولما نرجع يبقى يحلها الحلال.

كأنها ألقت بقنبلة دخان في وجه زينب ووالدتها وجرت بعيداً. جلست كل منهما تفكر في ما قالته خيرية، ومهما كانتا تحاولا البحث عن حل نموذجي ينقذهما من الورطة، لم يجدا.

لم تكن كل من زينب أو والدتها حفيظة تتمنيان ترك الإسكندرية تحت أي ظروف، خصوصاً حفيظة التي ما كانت تريد الابتعاد عن بناتها، غير أنها في الوقت نفسه لم تكن لتترك زينب بمفردها في أي مكان يمكن أن تذهب إليه، سواء خارج مصر أو حتى داخلها.

في اليوم نفسه تعاقدت كل من زينب وخيرية مع المتعهد على السفر إلى بيروت، براتب شهري قدرة 30 جنيهاً، لكل منهما، لكن على أن تتحمل زينب إقامة والدتها على نفقتها الخاصة. وسافرت زينب إلى بيروت.

كانت الحركة المسرحيّة في بيروت أثناء الانتداب الفرنسي تأخذ أشكالاً ومظاهر متنوعة، مع استمرار عروض مسرحيات من نوعية «كركوز» و{عيواظ» في مسرح «خيال الظل» في بعض المقاهي مثل مقهى «القزاز» في «ساحة البرج»، ومقهى «البسطة» و{السور» وغيرها، فضلاً عن المسارح الصغيرة التي كانت موجودة في الكازينوهات، التي يطلق عليها أيضاً مسمى «تياترو» كما هي الحال في مصر.

بتكرار سفرها إلى الشام، أدركت الفرق المسرحية المصرية تقدير الجمهور هناك للفن المسرحي الراقي، فكانت دمشق وبيروت محطتين لا بدّ منهما لتلك الفرق، قدمت فيها أقوى مسرحياتها وأشهرها، أمثال فرقة جورج أبيض التي قدمت على مسرحي «الكريستال» و{زهرة سوريا» مسرحياتها الشهيرة: «لويس الحادي عشر، الحاكم بأمر الله، المرسيلية الحسناء، مضحك الملك، البطل عطيل» وغيرها. كذلك عرفت بيروت فرق تمثيل أخرى كـ»أخوان عكاشة» لصاحبها زكي عكاشة، وفرقة علي الكسّار، كذلك فرقة أمين عطا وشقيقه سليم، وكانا قد جلبا فرقة نجيب الريحاني وعزيز عيد التي كان يُطلق عليها مسمى «جوق كشكش بك»، ولقيت إقبالاً كبيرا، مقدمة الكثير من الأعمال الناجحة، مثل مسرحية «الملك كشكش» على مسرح «زهرة سوريا»، و{كشكش بك في الاستحكامات، مدرسة الغرام، أبو شادوف، كشكش أمام المجانين وروميو وجولييت، شد حيلك، رن، يا أحلاهم، ويا ما أنت واحشني» وغيرها. وكانت تتخللها فواصل غنائية تؤديها مطربات مغمورات، لم تكبدن أجوراً عالية،  وهو ما حدث في هذه الرحلة مع زينب صدقي.

كان الاتفاق مع زينب وخيرية، كبقية أعضاء الفرقة الذين أتوا من مصر أن يتكفل المتعهد بالأمور كافة الخاصة بالفرقة، منذ لحظة مغادرتها الإسكندرية حتى وصولها إلى بيروت والعمل، من مأكل وملبس ونوم... أي إقامة كاملة شاملة، فضلاً عن الأجر الشهري ما دامت الفرقة مستمرة في عروضها.

زينب المصرية

قدمت الفرقة عروضها على كازينوهات بيروت مسارحها، وكانت تلقى نجاحاً كبيراً، وذاع صيتها في العاصمة كلها. كان دور زينب أن تغني خلال الفواصل التي تتخلل العروض، وقررت أن تبدأ عهدها في بيروت بأغنية حديثة للست عزيزة المصرية كتب كلماتها الشاعر يونس القاضي، ووضع ألحانها الشيخ زكريا أحمد، وعندما قدمها المذيع الداخلي للتياترو للغناء طلبت منه أن يقدمها بالاسم الجديد الذي اختارته لنفسها:

= يسعد تياترو «أبو طنوس» أن يقدم لكم المطربة الجديدة «الست زينب المصرية»:

أوعى تكلمني بابا جاي ورايا

ياخد باله مني ويزعل ويايا

فاهم... أوعى تكلمني

يا روحي يا ست زينب يا مصرية

باردون يا عزيزي بابا راجل قاسي

على أبسط حاجة يجرح إحساسي

يا سلام لو شافني وياك وعرفني

كان يعمل غارة ويلم الحارة

بس ابعد عني ما توقفش معايا

وخليك مستني جنب الحوداية

واوعى تكلمني أهو جاي ورايا

أحسن لنا نهرب ونقوم بلطافة

قبل ما يلمحنا دي عنيه شوافة

خايفة لا يمسكنا وبعدين يهبشنا

واسمح لي أقول لك أختك خوافة

بس ابعد عني ما توقفش معايا

وخليك مستني جنب الحوداية

أوعى تكلمني أهو جاي ورايا

فيها إيه لو شوفته بالذوق وعرفته

وعرفت اصحابه وطويت معرفته

يمكن لو شافك ترضيه أوصافك

وان هوش حبة اقبل تهويشته

بس ابعد عني ما توقفش معايا

وخليك مستني جنب الحوداية

أوعى تكلمني أهو جاي ورايا

أصبحت زينب «فاكهة الفرقة»، فقد استطاعت خلال أيام قليلة أن تثبت ذاتها وتحقق نجاحاً غير عادي، لدرجة أصبحت فيها من العناصر الأساسية في الفرقة. وعندما كانت يلوح بأنها قد تعتذر يوماً كان صاحب الفرقة يقرر ألا تقدم الفرقة عروضها في هذا اليوم، ويعتذر للجمهور الي اتضح أن معظمه كان يأتي أولا لأجل «الست زينب المصرية». حتى إن أحد المعجبين من الجمهور كان يأتي يومياً لسماعها ويجلس على الطاولة نفسها. في أحد الأيام تأخر ولم يأت، فظلت طاولته خالية لم يشغلها أحد، ولاحظت زينب ذلك، فأرادت أن تسأل عن زبونها الدائم الذي يجلس في هذا المكان، وسبب غيابه. ولكنها خشيت أن يتم تفسير سؤالها بشكل يُفهم منه بأنها تهتم بهذا «الزبون» من دون غيره، وربما أثار الشكوك حولها أن تكون بينهما علاقة، وهي لم يمر على وجودها في بيروت أكثر من أسبوعين. غير أنها قبل أن تفكر في طريقة تعرف بها سبب غيابه، قطع عليها الطريق، وجاء في اليوم التالي وطلب أن يلتقي بها قبل أن تصعد إلى خشبة المسرح وتغني، ما أثار دهشتها. ففي الوقت الذي كانت تفكر فيه، هل ستجده موجوداً اليوم أم لا؟ فوجئت به يرسل في طلب مقابلتها. ترددت زينب وجلست تفكر، هل توافق على طلبه أم ترفض وترد المرسال بكلمات كالتي تقال في مثل هذه المواقف حول الشرف والكرامة إلخ! غير أنها فكرت بسرعة ألا تضخم الموضوع، وطلبت من المرسال أن يحضره إلى الممر الموجود خلف المسرح (الكواليس) ليكون لقاؤهما أمام الجميع، وطلبت من صديقتها خيرية أن تكون قريبة منها، حتى إذا ما فكر أن يتصرف تصرفاً غير لائق، تتدخل في الوقت المناسب:

* أهلاً وسهلاً.

= أهلين ست زينب... يا هلا فيكي. يا الله أحرس ها النور وها الطلة.

* قالولي أنك عايزيني.

= ومين ما بيعوز نجمة الطرب والتياتروهات والكازينوهات في بر مصر وبر الشام... الست زينب المصرية.

* مرسي... مرسي.

= ست زينب. أنا بلا فخر «سليم الطرابلسي». من أعيان طرابلس... وكنت بريدك.

سمعت زينب تفاخره بنفسه ثم كلمة «كنت بريدك»، فأيقنت أن شكوكها في محلها، وما قد يتبع هذه المقدمة، فراحت عائدة إلى غرفتها، وأرسلت من يخبر ضيفها بأنه ضل طريقه وليس هي من يقصد، غير أنه فاجأها بما لم تكن تتوقعه على الإطلاق.

(البقية في الحلقة المقبلة)

وداع وبكاء

بعد ثلاثة أيام، أمضتها زينب ووالدتها في بيت خيرية، أنهت إجراءات السفر، وفي صباح 25 مارس 1932، صعدت ووالدتها وخيرية صدقي، ومعهن بقية الفنانين من مطربين ومطربات وممثلين وممثلات، إلى الباخرة المتجهة إلى بيروت، وكانت سنية وشقيقاتها في وداعهن.

وقفت زينب فوق سطح المركب وهي تغادر الميناء، تنظر إلى مدينتها ومسقط رأسها الإسكندرية، التي كانت تغادرها للمرة الأولى منذ ولادتها قبل ما يقرب من 20 عاماً.

لم تتمالك زينب نفسها، انهمرت دموعها... احتضنت والدتها بقوة... اقتربت خيرية وأرادت أن تخفف من توتر الموقف:

= إيه دا الموقف دا أنا شفته في رواية من روايات يوسف بيه... حتى بالأمارة كانت الرواية اسمها «أنا وأمي».

ابتعدت الأم وجلست على كرسي مجاور... بينما تجاوبت زينب مع خيرية وهي تبتسم وتمسح دموعها وتشير إليها:

* «أنا وأمي»... وثالثنا الشيطان.

= يا بنت الإيه... دا انت ولا ولاد عكاشة في القافية.

* خلتيني أضحك وأنا ما ليش نفس.

= مالكيش نفس ليه؟ مسافرين بالبحر ورايحين بلد تانية نتفسح ونتشتغل وناخد فلوس. في أحسن من كدا إيه؟

* مش عارفة ليه قلبي مقبوض وحاسة أني مش هنرجع تاني إسكندرية.

= بلاش عبط. أنا كنت كدا زيك أول مرة سافرت فيه. بس وأنا راجعه ما كنتش عايزة أرجع.

* انت ما تعرفيش إسكندرية بالنسبة لي إيه... حته مني.

= حته منك!؟ إسكندرية كلها تبقى حتة منك انت... طب قولي أنك حتة منها.

* ما هو العادي أني ابقى حتة منها... لكن اللي مش عادي أنها تبقى حتة مني.

= بكره نوصل وتشوفي بيروت وتلاقي الحتة اللي راحت منك.