لا عجب في أن يرغب الرئيس أوباما في أن تغادر القوات الأميركية من أفغانستان، لكنّ الأمر الصادم هو طرح جدول زمني سريع على نحو مخيف.وفق صحيفة "وول ستريت جورنال"، يخطط أوباما لتسريع انسحاب القوات العسكرية من أفغانستان، وقد يحصل هذا التحول من أداء دور قتالي إلى الاكتفاء بدور داعم في منتصف عام 2013، ويبقى أن نعرف ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحتفظ بوجود عسكري محدود بعد عام 2014 أم أنها ستفضل سحب جميع القوات دفعةً واحدة. صرّح الرئيس الأميركي للصحيفة: "بسبب التطور الذي أحرزته قواتنا وبسبب التقدم الذي حصل على مستوى قوى الأمن الأفغانية وتحسّن قدرتها على لعب دور القيادة، سنتمكن من تحقيق تلك الأهداف وتسريع الانسحاب بطريقةٍ ما". كما أنه ذكر أن "السبب الذي دفعنا لخوض الحرب في المقام الأول تحقق الآن: عدم السماح للقاعدة باستعمال أفغانستان مجدداً لإطلاق اعتداءات ضد بلدنا".إذا انسحب الجنود من أفغانستان في مرحلة أبكر من المتوقع، فقد تكون المجازفة التي يأخذها أوباما هائلة.أولاً، هو سيترك أفغانستان قبل فترة طويلة من إنجاز المهمة الأساسية، فالولايات المتحدة موجودة في ذلك البلد منذ 12 سنة، وقد خسر عدد كبير من الجنود حياتهم في ذلك الصراع، ويبلغ عدد الضحايا الذين سقطوا حتى الآن خلال "عملية الحرية الدائمة" 2045 شخصاً وفق تقديرات وزارة الدفاع الأميركية، مع أن بعض الجماعات المستقلة تتحدث عن عدد أكبر بقليل، وتتابع قوى الأمن الأفغانية تحسين أدائها ولكنها لا تستطيع تولي دور قيادي في أي وقت قريب؛ لذا سيكون الانتقال إلى أداء دور داعم في عام 2013 أو 2014 مجرد أمنية يحلم بها البيت الأبيض.ثانياً، سيترك أوباما جزءاً متقلباً من العالم عرضة لاعتداءات محتملة من الجماعات والقبائل والخصوم السياسيين للرئيس الأفغاني حامد كرزاي. إذا اختارت الولايات المتحدة في نهاية المطاف سحب جميع الجنود، فقد تشجع المتطرفين والجماعات المتشددة على التقدم سعياً إلى اكسب السلطة. يستحق أوباما طبعاً الإشادة لأنه منح الضوء الأخضر كي تقتل وحدة العمليات الخاصة الأميركية أسامة بن لادن في مايو 2011، لكن لا يزال تهديد الإرهاب قوياً في تلك المنطقة، وقد يؤدي غياب الوجود الأميركي إلى تعزيز ذلك التهديد.لكن مجدداً، يجب ألا يتفاجأ أحد من سذاجة أوباما في ما يخص متابعة الحروب والدفاع عن الديمقراطية، فمنذ انتخابه في عام 2008، كان يدعم مقاربة ترفض أسلوب الحرب لمكافحة الإرهاب. عملياً، لم يعد مصطلح "الحرب على الإرهاب" موجوداً، بل إنه استُبدل بعبارة "عملية طارئة في الخارج"، وهو مصطلح سخيف وبعيد عن الواقع.في غضون ذلك، لا يبدو أوباما قلقاً بشأن تنامي تهديد الإسلام المتطرف في أوروبا وأماكن أخرى، بل على العكس من ذلك، اعتبر أوباما في السابق أن "الدول القوية والرؤساء الأقوياء يتحاورون مع خصومهم". بعبارة أخرى، هو يؤيد الحفاظ على خطوط التواصل مع الأنظمة الاستبدادية والدول الفاسدة التي ترغب حصراً في تدمير الولايات المتحدة ونمط حياتها.هذا السلوك بعيد كل البعد عن الدور المهم الذي كانت تؤديه الولايات المتحدة للدفاع عن الديمقراطية والحرية، فقبل أن يصل أوباما إلى الرئاسة، اعترف معظم الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين بأن الولايات المتحدة تحتاج إلى صون أمن مواطنيها وحدودها بأي ثمن. أدرك مختلف القادة مثل فرانكلين روزفلت، ودوايت آيزنهاور، ورونالد ريغان، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن، أن التعاون مع الأنظمة الغربية الديمقراطية الأخرى وحمايتها عاملان مهمّان للحفاظ على القيم الأميركية.لا شك أن التدخل العسكري ليس موضوعاً شائعاً في الولايات المتحدة في هذه الأيام، إذ تبرز نزعة متنامية نحو الانعزال عن مشاكل العالم. يشعر الناس بقلق متزايد بشأن المسائل المحلية مثل الضرائب والاقتصاد، وهم أقل اهتماماً بالسياسة الخارجية والاضطرابات القائمة في البلدان الأخرى.لكنّ الوضع ليس بهذه السهولة للأسف، فالمسائل الاقتصادية بالغة الأهمية لكن يجب أن يبقى أمن الولايات المتحدة (وجميع المجتمعات الديمقراطية الليبرالية) على رأس الأولويات.لا ينظر أوباما إلى الوضع بهذه الطريقة، وقد اتضح ذلك حين قرر الرحيل من أفغانستان بسرعة البرق. إنها استراتيجية مريعة ويجب أن يعيد النظر بها خدمةً لمصلحة بلده والعالم الحر عموماً.
مقالات - Oped
مغادرة أفغانستان قبل إنجاز المهمة
21-01-2013