تتمتع المملكة العربية السعودية باقتصاد مزدهر بفضل وفرة النفط تحت رمال صحرائها وتدفق العمال الأجانب (المهرة وغير المهرة) إليها. فقد أعفت أسعار النفط الخام (التي لم تنخفض إلى ما دون المئة دولار تقريباً للبرميل الواحد طوال السنتين الماضيتين) هذه المملكة من مساوئ التراجع الاقتصادي، الذي أعاق أمماً كثيرة في أنحاء العالم المختلفة. كذلك تمكنت السعودية بفضل ازدهارها من تفادي معظم تأثيرات زلزال الربيع العربي، الذي وُلد في جزء كبير منه من مشاعر الحرمان الاقتصادي والتهميش السياسي بين الشبان العرب.

Ad

ولكن مع تنامي عدد البالغين الشبان الذين يبحثون عن عمل وبروز مصادر منافسة محتملة في مجال الطاقة حول العالم، بات على القادة السعوديين أن يخططوا لمستقبل أكثر تقشفاً، ما يثير التساؤلات حول نموذج التنمية السعودي. تشمل الفئة الأولى من ضحايا إعادة النظر السعودية هذه ملايين الأجانب الذين تدفقوا إلى مملكة غنية بالنفط. صحيح أن كثيرين منهم يقيمون ويعملون في المملكة منذ سنوات، إلا أن الدرب نحو الجنسية مقفل تماماً، ويُضطر معظم الأجانب إلى العودة إلى بلادهم في مرحلة ما.

يعتبر بعض المراقبين أن قدرة الحكومة السعودية غير المحدودة، على ما يبدو، على إنفاق المليارات لتفادي الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية شكّلت أساس هذا الاستقرار النسبي. فيسعى القادة إلى الموازنة بين الدور البارز الذي ما زال النفط يلعبه في الاقتصاد السعودي وبين التخطيط الاقتصادي الطويل الأمد. كذلك يعربون عن التزام كبير تجاه الرأسمال البشري بتخصيص مبالغ ضخمة للتعليم، والإسكان، والرعاية الصحية، وإيجاد الوظائف.

تشمل مراحل التخطيط المختلفة في المملكة 24 مدينة صناعية يُفترض أن تؤمن آلاف الوظائف، فضلاً عن السكن، لنحو 400 ألف سعودي ينضمون إلى القوة العاملة كل سنة. كذلك تشير التقديرات إلى أن 134.1 مليار دولار خُصصت لمشاريع تحلية الماء وتوليد الكهرباء خلال العقد المقبل. بالإضافة إلى ذلك، يتابع نحو 130 ألف سعودي دراستهم في الخارج كجزء من برنامج منح الملك عبد الله، فضلاً عن أن نصف السعوديين الملتحقين بأكثر من 60 جامعة وكلية في المملكة هم من النساء.

قد يبدو هذا سيناريو مثاليا: دولة قادرة على تطوير رأسمالها البشري إلى أقصى حد ومستعدة لذلك، وشعب يزداد ثقافة وحماسة مستعد لإدارة الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، ولكن ثمة فجوة واحدة: يعيش في المملكة تسعة ملايين مقيم (أي ما نسبته 32% من السكان)، وهم ليسوا سعوديين ويقومون بأعمال شتى، تتراوح من أعمال التنظيف البسيطة إلى إدارة مصارف الأمة الكبرى. تذكر التقديرات أن نحو 20% فقط من العمال الأجانب يتمتعون بمهارات عالية. أضف إلى ذلك المهاجرين غير الشرعيين، الذين يُقدَّر عددهم بنحو مليونين. رغم ذلك، لا يبدو دور المهاجرين واضحاً في مجتمع يدّعي قادته أن الشباب «مستقبله».

قبل وقت طويل من الانفجار السكاني في السعودية (من 6.8 ملايين نسمة عام 1973 إلى أكثر من 28 مليوناً حالياً)، بدأت الحقول في المحافظة الشرقية بإخراج النفط الذي تبيّن أن كلفة استخراجه هي الأدنى عالمياً. ومع تزايد إنتاج النفط وارتفاع أسعاره في مطلع سبعينيات القرن الماضي، مرّت المملكة العربية السعودية بإحدى أسرع عمليات التحوّل في التاريخ المعاصر. فبعد أن كانت المملكة بمعظمها صحراء قاحلة قليلة السكان، صارت اليوم تفتخر بما تضمه من طرقات سريعة حديثة، ومطارات عصرية، وشبكات تواصل متطورة.

ولكن حتى وقت ليس ببعيد، كان هذا البلد يفتقر إلى القوة العاملة الضرورية لتطبيق هذا التحول الهائل، فاحتاجت «معجزة الصحراء» هذه، حسبما يطلق عليها، إلى تدفق أعداد كبيرة من الأجانب من مختلف أنحاء العالم العربي وإفريقيا وآسيا إلى السعودية بغية تحويل التطور السريع إلى واقع ملموس.

لكن برامج مساعدات البطالة الحكومية أكدت أخيراً ما عرفه كثيرون منذ مدة: يُقدّر عدد العاطلين عن العمل في المملكة بنحو 600 ألف، نحو 80% منهم تحت سن الثلاثين. ويعتبر كثيرون أن القطاع الخاص، الذي يسيطر عليه العمال غير السعوديين منذ زمن، المكان الأنسب لامتصاص هؤلاء العمال السعوديين.

بغية تفادي إحداث صدمة في النظام، طبّق المسؤولون السعوديون برنامجاً أطلقوا عليه «نطاقات»، يُصنّف هذا البرنامج الأعمال وفق نسبة السعوديين العاملين فيها، فيُكافئ «نطاقات» الشركات التي توظّف المزيد من السعوديين ويغرّم التي لا تفعل. صحيح أن كثيرين يعتبرون هذه المقاربة منطقية، إلا أن مالكي الشركات اشتكوا مما يعتبرونه مقاييس عشوائية تحدّ من أرباحهم.

لطالما تشكى رجال الأعمال السعوديون في اللقاءات الخاصة من أن بعض الشبان السعوديين يعتبرون أن لهم الحق بامتيازات أكبر. ويقولون إن هؤلاء الشبان يتوقعون الحصول على رواتب أعلى مع أنهم لا يملكون الخبرات الضرورية، ويتفادون المناصب المتدنية. علاوة على ذلك، يفتقر كثيرون منهم إلى المهارات الضرورية لشغل مناصب تقنية، ويأبون القيام بوظائف متواضعة. نتيجة لذلك، يدور منذ سنوات جدال هادئ بين مالكي الشركات، ومخططي الحكومة، والمثقفين. وقد ظلّ هذا الجدال وراء الأبواب الموصدة إلى أن انتقل أخيراً إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«غرف الدردشة» على الإنترنت، فضلاً عن وسائل الإعلام الرئيسة.

في مطلع شهر أبريل، بدأت الحكومة تضيّق الخناق على العمال الذين ينتهكون القانون، فارضة عليهم العمل مع كفيلهم الأصلي. وقد هدفت بذلك إلى تحرير الوظائف التي لا تتطلب مهارات عالية ويقبل بها المواطنون على ما يبدو، لكن السعوديين سرعان ما تذكروا الدور الأساسي الذي يؤديه المهاجرون في المملكة، مع انتشار أخبار الاعتقالات وإقفال مئات المتاجر، والمطاعم، والمدارس الخاصة.

صحيح أن كثيرين دعموا هذا القمع تأييداً لحكم القانون، لكن مجموعة صغيرة إنما فاعلة عبّرت عن وجهات نظر تعكس الخوف من الغرباء، فاستخدمت هذه المجموعة الإنترنت لحشد الدعم لهذا القمع، حتى إنها شنت في بعض الحالات حملات تهاجم مجموعات محددة من غير السعوديين، خصوصاً المهاجرين غير الشرعيين الذين لطالما عاشوا على هامش المجتمع السعودي. فصوّر بعض مروجي أجندة «السعوديون أولاً» المهاجرين والعمال غير الشرعيين كما لو أنهم «جراد» حقيقي يغزو الأمة ويقوم بنشاطات غير مشروعة، مثل عصابات الجريمة المنظمة والدعارة حتى السحر والشعوذة.

مع اشتداد العداء، نصح سعوديون آخرون إخوانهم بتفادي توجيه هذا الهجوم ضد ملايين العمال الشرعيين الذين أدوا دوراً مهماً في تطور المملكة. كذلك حضوا السعوديين على معاملة المهاجرين كضيوف. ومن بين الكتّاب الذين دعوا السعوديين إلى النظر إلى أنفسهم خلف الحربي من صحيفة Saudi Gazette: «الخطأ خطأنا لا خطأ العمال الأجانب». في هذه الأثناء، أضاف نحو 800 ألف عامل يمني، وهندي، وباكستاني، وفلبيني وآخرين رُحّلوا خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية بعداً عالمياً حقيقياً لما تعتبره السلطات السعودية تدابير ضرورية لخفض معدل البطالة البالغ 12%. لكن المسؤولين في بعض بلدان العمال المرحلين عبّروا عن قلقهم بشأن قدرة بلادهم على امتصاص عشرات آلاف العائدين في سوق عمل محدودة أساساً، حتى إن القادة في اليمن والفلبين أقروا بأن اقتصادهم يعتمد على مواطنيهم العاملين في الخارج.

تفاقم هذا الحوار المشحون أصلاً بين الدول مع كثرة القضايا البارزة عن إساءة أرباب العمل السعوديين إلى الأجانب الذين يعملون في منازلهم، فضلاً عن تقارير مقلقة حول إقدام عدد من العمال الأجانب على الإساءة إلى الأولاد الموضوعين في رعايتهم أو حتى قتلهم. كذلك لام بعض السعوديين عدداً من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» العرب، الذين هربوا من مصر وسورية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، على «تصدير» نوع من الجهاد الإسلامي المقاتل إلى المملكة. نتيجة لذلك، أخبر مسؤول حكومي صحيفة محلية، حسبما يُقال، إن من الضروري أن يكون أئمة المساجد في منطقة مكة من السعوديين، مع أن عدداً من رجال الدين الأجانب البارزين لا يزالون يخطبون على عدد من المحطات التلفزيونية الفضائية.

دفعت موجة القلق والضياع والخوف التي عمّت عقب حملة القمع الملك عبدالله إلى إصدار فترة سماح مدتها ثلاثة أشهر، على العمال غير الشرعيين خلالها تسوية أوضاعهم. رغم ذلك، ما زالت قرارات صعبة تنتظر السعوديين بشأن الملايين من غير السعوديين العاملين في البلد بطريقة شرعية، فيما تسعى الحكومة لحل مشكلة البطالة المرتفعة وتأمين العمل لشبابها.

Fahad Nazer