يبدو أن الكويت يمكن تصنيفها كواحدة من أقل الدول إنفاقاً على البحث العلمي في العالم؛ فحسب تقرير المتابعة السنوي الصادر من وزيرة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية رولا دشتي لما تم تنفيذه لعام 2011-2012 من خطة التنمية، فإن ما تنفقه الكويت على البحث العلمي بلغ 51.2 مليون دينار، أي نحو 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن المستهدف حسب الخطة الحكومية كان تحقيق 1% من هذا الناتج، بما يوازي حسب الافتراض الحكومي نحو 500 مليون دينار.

Ad

ورغم أن الأداء الفعلي بعيد جداً عن المستوى المستهدف من جهة تحقيق عشر المطلوب فقط، فإن النسبة المستهدفة اصلا اقل بكثير من المستويات العالمية، حيث تعتبر نسبة 2% أقل مستوى مقبول لإنفاق الدولة على البحث العلمي بالمقارنة مع الناتج المحلي الاجمالي.

وحسب البيانات الرسمية فإن هناك 5 جهات حكومية تتقاسم الـ51.2 مليون دينار المخصصة للبحث العلمي اكبرها معهد الكويت للأبحاث العلمية الذي يستأثر بـ 86.5% من هذا الانفاق بما يعادل 44.3 مليون دينار، بينما تتقاسم مؤسسة التقدم العلمي وجامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب ووزارة التربية 6.9 ملايين دينار فقط، وهنا يبرز جانب مهم بشأن شح الانفاق على البحث العلمي في الكويت، لدرجة ان تقرير المتابعة السنوية يعترف بأن هذا الانخفاض يتعارض مع اهداف الخطة الإنمائية.

تراجع الكويت

اللافت فعلاً هو ان الكويت عام 1998 كانت تنفق 0.42% من الناتج المحلي الاجمالي على البحث العلمي، ثم تراجعت، الأمر الذي يفتح باب الأسئلة حول هذا التدهور في الانفاق على البحث العلمي.

قطر استثناء

ولعل الأوضاع في دول الخليج ليست افضل حالا من الكويت، باستثناء قطر التي رفعت مستوى الانفاق فيها على البحث العلمي من 0.2% عام 2007 الى 2.8% في 2012، وهو رقم عالمي استحقت معه الدوحة ان تسجل في خريطة البحث والتطوير العالمية التي تصدرها مجلة "باتيل" للبحث والتطوير في الولايات المتحدة وتضم 40 دولة، وقد ضمت في آخر تصنيف لها دولاً جديدة الى جانب قطر مثل باكستان وإيران وأوكرانيا، حيث تسجل هذه الخريطة كل دولة بلغ الانفاق على البحث العلمي فيها 0.25% من الناتج المحلي الاجمالي فما فوق.

وحسب مجلة "باتيل" فإنه من المتوقع ان ينمو الإنفاق العالمي على البحث العلمي لعام 2013 بنسبة 3.7 في المئة بما يعادل 53.7 مليار دولار، وأن يصل حجم الإنفاق على البحث والتطوير 1.496 تريليون دولار.

إسرائيل الأعلى عالمياً

وبينما تتراوح نسب الانفاق في دول مجلس التعاون ما بين 0.1% الى 0.2%، عدا قطر التي بلغت 2.8%، وهي دول تمتلك انتاجاً واحتياطاً نفطياً ضخماً عالميا، نجد ان دولا معدومة او محدودة الموارد كإسرائيل تنفق 4.7% من الناتج المحلي -وهي اعلى نسبة عالميا- وفنلندا 3.8% واليابان 3.6% وسنغافورة 2.6% وتايوان 2.4%، أما من حيث قيمة الانفاق فحازت الولايات المتحدة المركز الأول بحجم إنفاق 423 مليار دولار، تليها الصين بـ220 ملياراً، ثم اليابان بـ161 ملياراً، ثم ألمانيا بـ91 ملياراً.

البحث العلمي ليس تنظيرا ودفاتر وبحوثاً توضع على الأرفف، بل يمكن له ان يخلق، اذا تم الانفاق عليه بشكل سليم، اقتصادا آخر غير نفطي مختلفاً تماما عن الاقتصاد الذي نعرفه ونعيشه، فشركة مثل "ابل" مثلا نجحت في ان تكون نموذجا لنجاح العقل البشري في تحويل الافكار الى انتاج وسلع وتسويق وقيمة، فاستطاعت هذه الشركة، التي كانت قبل 15 سنة فقط على حافة الإفلاس، أن تعدل نموذج أعمالها وتشغل العالم بمنتجاتها اللوحية، لتتناوب صدارة الشركات الأكبر في القيمة السوقية مع واحدة من أهم الشركات النفطية العالمية "إكسون موبيل"، في صورة رائعة لكيفية منافسة العقل البشري الموارد الطبيعية.

نماذج نجاح

وفوق ذلك، فإن 4 من أكبر 5 شركات في القيمة السوقية عالميا، لا علاقة لها بالنفط ولا البتروكيماويات ولا بمشتقاتهما، فمثلا شركة "أبل" تبلغ قيمتها السوقية اليوم نحو 410 مليارات دولار، اي اكثر من الناتج المحلي الاجمالي لدولة الكويت بحوالي 3 مرات، كما حدد الاكتتاب في أسهم شركة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قيمتها السوقية بما يتجاوز 104 مليارات دولار، اي بما يوازي مبيعات النفط الكويتي خلال عام، فضلاً عن شركات ليست بالضرورة تكنولوجية مثل شركة «إتش.جيه. هاينز» المشهورة بإنتاج «الكاتشاب» التي استحوذ عليها كونسورتيوم مستثمرين، بينهم الملياردير وارين بافيت، بقيمة 28 مليار دولار أو استحواذ «كرافت فودز» على شركة كادبوري مقابل 19.6 مليار دولار، حيث تبلغ مبيعات «كرافت» و«كادبوري» مجتمعتين نحو 72 مليار دولار، وهو رقم يوازي مبيعات شركة «نيستله» السويسرية او شركة تسويقية مثل وول مارت ستورز تصل قيمتها السوقية الى ربع تريليون دولار.

هذه الأفكار الرائدة لم تكن لتتميز وتتحول الى شركات كبرى لولا وجود بيئة توفر الابحاث والأرقام والدراسات المستقبلية لتتمكن من قراءة السوق، ولعل القصور في الدراسات في الكويت وغيرها من الدول العربية يشمل القطاعين العام والخاص، فلا احد يريد الانفاق على الابحاث، حتى ولو كانت تسهم في تطوير نموذج اعماله، بخلاً او عدم وعي بأهمية هذه البحوث.