شبكات الألياف الضوئية العالمية هي عبارة عن مجموعة مترابطة من كوابل الاتصالات البحرية المتطورة تقنيا والتي تنقل سعات رقمية عالية جدا بين الدول والقارات، وتربط العالم ببعضه، وتستخدم هذه السعات الرقمية لنقل الاتصالات الصوتية «الهاتف» والبيانات «كالانترنت على سبيل المثال» سواء بسواء، ولو تأملنا عالمنا اليوم لرأينا أن أهمية تلك البنى التحتية المعقدة والمتطورة أصبحت لا تقل عن المكونات الكلاسيكية للبنية التحتية لأي دولة، كشبكات الطاقة الكهربائية ومحطات تحلية مياه الشرب والري، بل إنها قد تتعداها في الأهمية لتصبح العامل المحفز الأول والأكثر تأثيرا في النمو الاقتصادي لكثير من القطاعات الهامة، كقطاع الاتصالات والخدمات المالية والتعليم، اضف إلى ذلك الجانب الاجتماعي والتنموي، وتأثير هذا الربط في التنمية البشرية وفي السطور القادمة سنلقي الضوء على واحدة من أكثر الشبكات الرقمية تأثيرا في دول الخليج، وهي شبكة «جي بي آي».

كانت بداية شركة «جي بي اي» «GBI» لتشغيل شبكات الألياف الضوئية بداية غير اعتيادية، فالفكرة كانت شديدة التميز، لكن التنفيذ كان شديد الصعوبة لدرجة أن جميع العاملين في تلك الصناعة رأوا الفكرة ضربا من الخيال واعتقدوا باستحالة تحقيقها، فكرة إنشاء شبكة «جي بي اي» قامت في الاساس على التمركز في منطقة الخليج لإنشاء شبكات اتصالات رقمية متطورة داخل مياه الخليج الضحلة والمليئة بالتحديات والانطلاق منها شرقا للربط مع الهند، وغربا للربط مع اوروبا لتلبية احتياجات دول المنطقة من السعات الرقمية العالية وربط تلك الدول بالعالم الخارجي في وقت كانت سوق السعات الرقمية فيه حكرا على شركات اجنبية غير مملوكة لدول المنطقة وتبرز هذه الحقيقة اول نقاط التميز لشركة جي بي آي فلا خلاف على انه يجب على دول المنطقة امتلاك مكونات البني التحتية الخاصة بها لتحقيق السيادة والاستقلالية الاقتصادية والاستراتيجية على ارضيها، وهذه هي المعادلة التي قامت جي بي آي بتحقيقها، وبجدارة، كشركة خليجية بنسبة 100 في المئة.

Ad

لكن قصة التميز لا تنتهي هنا، فهناك عامل هام آخر جعل من هذه الشبكة الشابة نموذجا فريدا، وهو تنبيه لاسلوب عمل مستقل ومحايد تجاه جميع المشغلين وهذا يعني الكثير، فقدرة الكابل على تقديم خدمة متميزة ومحايدة لجميع المشغلين في المنطقة على قدم المساواة اعطتها قدرة تنافسية عالية في الاسواق الأكثر نضجا وفي تلك الاسواق المتطورة بالذات جاءت شبكة جي بي آي لتمثل القطعة الاخيرة من الأحجية وتحقق توازنا رائعا وطفرة حقيقة في توفير السعات الرقمية للافراد والمؤسسات في تلك الدول، فبعد عقود من الاحتكار وانغلاق الفرص امام المشغلين يستطيع الان هؤلاء المشغلون الحصول على السعات الرقمية العالية بأسعار تنافسية مباشرة من جي بي اي ودون وسيط تنظيمي او مشغل محلي، ادى هذا المستوى الجديد من الحرية الى رفاهية كاملة وحرية غير مسبوقة في الاسواق المفتوحة تنظيميا «كالسوق الكويتية» وسمح لقواعد لعبة العرض والطلب بالتحكم في السوق، وهذه اللعبة تأتي دائما لصالح المستخدم النهائي وهو ما حدث بالفعل على ارض الواقع في دولة الكويت، اذ شهدت في السنوات القليلة الماضية طفرة واضحة في اسعار خدمات الربط والانترنت، وفي الاعتمادية والموثوقية لتلك الخدمات بل وايضا في السعات الكبيرة وغير المسبوقة والتي اصبحت متاحة للمستخدمين والشركات في السوق المحلية.

 التحديات والصعوبات

وبذكر هذه المميزات والإيجابيات علينا ايضا ان ننظر الى التحديات والصعوبات، فكما ذكرنا آنفا، رأى البعض ان تنفيذ شبكة جي بي اي هو ضرب من ضروب المستحيل، وذلك لطبيعة مياه الخليج وما تفرضه من تحديات تقنية ولوجستية وتنظيمية، فعلى سبيل المثال توجد في هذه المنطقة الغنية بالبترول شبكة معقدة من انابيب ضخ النفط والغاز وخطوط الكهرباء وغيرها، مما يتطلب ترتيبات هندسية وتصاريخ خاصة «لعبور» كوابل شبكة الألياف الضوئية فوق تلك الانابيب فضلا عما تمثله تلك العملية من مخاطر يكفي ان نذكر انه لاتمام مشروع شبكة جي بي اي، فإن عدد تصاريخ واتفاقيات العبور» تلك قد جاوز الالاف فقط في منطقة الخليج، اضف الى ذلك التحديات غير المسبوقة القابعة داخل المياه الاقليمية قرب سواحل الكويت والعراق والمتمثلة في احتمال وجود مواد متفجرة في قاع الخليج في تلك المنطقة، ثم يأتي التحدي الاكبر في حياة المشروع وهو قيام موجات الحراك وعدم الاستقرار السياسي في العديد من الدول العربية الشقيقة وعلى رأسها مصر، والتي كان من المقرر ان يعبر الكابل من اراضيها للوصول إلى اوروبا وبطبيعة الحال فإن التغيير المتتالي لتشكيل الحكومات وتغيير هيكلية اتخاذ القرار الناتجة عن تلك الاحداث جعلت من انهاء المشروع واحدا من اكبر التحديات في تاريخ الصناعة.

المثير في الامر، واللافت للانتباه انه بالرغم من كل ما سبق من تحديات، نجحت ادارة جي بي اي في تنفيذ وبناء وتسليم المشروع والمثير بدرجة اكبر، واللافت للانتباه بشكل اقوى، ان تلك الادارة حققت ذاك النجاح في ظل تلك التحديات وفي اطار زمني قياسي يكاد يكون سابقة اولى في تاريخ صناعة بناء الكوابل البحرية، واليوم نرى شبكة جي بي اي وهي تعمل بكامل طاقتها وكفاءتها لتشارك بقوة في إثراء البني التحتية لدول المنطقة.

وبالاضافة لما سبق لم تتوقف شركة جي بي اي عند النجاح الاول، بل مضت قدما لتحقيق انجاز اخر غير مسبوق عن طريق ربط شرق العالم بغربه من خلال مسار جديد لم يسبق لاي مشغل اتخاذه، وهو ما تطلق عليه الشركة «مسار الشمال» وهو مسار جديد للربط الرقمي يبدأ من دول الخليج مرورا بالعراق، ثم تركيا وصولا الى اوروبا يحقق هذا المسار الجديد انجازات وامتيازات غير مسبوقة، فهو يوفر مسار حماية طبيعيا لجميع السعات التي تعبر من خلال البحر الاحمر ومصر «حوالي 95 في المئة من السعات» كما انه اقصر من المسارات التقليدية وبالتالي معدلات تأخر صغيرة جدا مما يجعله مسارا بديلا ممتازا للمؤسسات المالية والبنوك والجهات التي تتعامل مع البورصة على سبيل المثال.

ترقية المكونات

وبعد أقل من سنة على انشاء نظام الكوابل المتطور وادخاله الى مرحلة التشغيل الفعلي، قامت شركة جي بي اي باستثمار جديد لترقية المكونات الالكترونية المعقدة المسؤولة عن ضخ البيانات في الكوابل، مما ادى الى رفع كفاءة تلك الكوابل لتصل الى عشر اضعاف السعات الاصلية في الكثير من اجزاء الشبكة هذا التطوير التقني يمنح شبكة جي بي اي قدرة تنافسية اعلى بكثير من الشبكات الاخرى وفي منطقة الخليج ويعطي الشركة قدرة غير مسبوقة على ريادة السوق وتحقيق الميزة التنافسية والتي تعود دائما بالنفع المباشر على المستخدم النهائي وتساهم في زيادة النضج والتوازن في الاسواق ذات البيئات التنظيمية الحديثة والمفتوحة كالسوق الكويتية.

ويمكننا ان نشهد بوضوح كل هذه التأثيرات الايجابية بمجرد القاء نظرة سريعة على قائمة عملاء جي بي اي فسنجد ان الشركات الكويتية تحتل مركز الصدارة في تلك القائمة، فمعظم الاسماء اللامعة في سماء سوق الاتصالات الكويتية تتربع بالفعل على راس تلك القائمة، مثل شركة كواليتي نت، وغلف نت، وزاجل تيليكوم، وشركة مدى، وشركة فاست تلكو، فجميع تلك الشركات المتميزة حصلت خلال العامين الماضيين على سعات لنقل البيانات على شبكة جي بي اي فليس هناك شاهد اوضح من تلك القائمة يعبر عن مدى التغيير الايجابي القوي الذي لمسته السوق الكويتية بعد اطلاق شبكة جي بي اي.

جوائز عالمية

وعلى ارض الواقع فرضت الطبيعة المتفوقة لهذه الشركة المتميزة نفسها على مسرح سوق الاتصالات العالمية، فرأينا الشركة وادارتها تحصد العديد من الجوائز العالمية ذات الاهمية والتقدير العاليين، ومن هذه الجوائز على سبيل المثال جائزة افضل استثمار تكنولوجي من مجلة «كومز ميا» وجائزة افضل مشارك جديد في سوق الاتصالات لعام 2012 الممنوحة من مجلة «كاباسيتي» المتخصصة، كما رأينا الكثير من التقدير العالمي تجاه ادارة الشركة ايضا حيث ظهر في 2013 للسنة الثانية على التوالي اسم «احمد مكي» الرئيس التنفيذي لـ»جي بي اي» في قائمة «اقوى مئة رجل اتصالات في العالم» والتي تصدرها سنويا «غلوبال تيليكوم بيزنس» من لندن.