قد نسافر مع الأطفال الذين يركلون المقاعد، أو لا يهتمون بنظافتهم الشخصية، أو يحتكرون مسند المقاعد، أو يغزون المساحة الشخصية للآخرين، أو يتمددون على مسافة بعيدة من دون أن يتركوا أهلهم يستريحون، أو يفرطون في شرب السوائل، أو يواجهون مواقف غير مستحبة.لكن غالباً ما نصبّ غضبنا الجماعي على أشخاص يكونون ضحايا بدورهم: إنهم أهل الطفل الذي يثير الفوضى أو لا يتوقف عن الصراخ. أجرينا مؤخراً تجربة لاختبار صبر أكثر المسافرين تعاطفاً مع الآخرين. بدأ طفل صغير نوبة غضب قبل صعود الركاب إلى الطائرة. فتأخر موعد إقلاع الطائرة. تابع الطفل الصراخ فيما حاول أهله تهدئته بالسكاكر التي يمكن أن تسبب نوبة من نوع آخر بعد فترة. جلستُ خلف الطفل الذي كان يصرخ بأقصى قوته. استمر هذا الوضع المزعج طوال أربع ساعات فبدا وكأنّ الأهل استسلموا بعد فترة قصيرة من إقلاع الطائرة.جاهزيةحاولتُ قدر الإمكان عدم النظر إلى الأهل بطريقة مزعجة وكأنني أتوسّلهم: جربوا حيلة ما! افعلوا شيئاً! لا مزيد من السكاكر رجاءً!تذكرتُ تجاربي الخاصة حين كنت أسافر منفردة مع طفل أو ولد أكبر سناً. كنا نصطحب أولادنا في رحلات متكررة منذ كان عمرهم بضعة أشهر. كانت تلك الفرصة مناسبة لإثبات مدى جهوزيتي للتصدي لأي نوع من الشغب. كنت أحمل معي كيساً كاملاً من الكتب والأحجيات ودفاتر التلوين لإلهاء الصغار وإقناعهم بملازمة مقاعدهم. كنت أغادر الطائرة وصوتي أجش لأنني كنت أقرأ وأسرد القصص لساعات متواصلة.في هذه المواقف، يمكن أن نتكل على لطف الغرباء وقد بدأ المسافرون جواً يتعاطفون بشكل متزايد مع الأهل الذين يجدون صعوبة في تهدئة طفل مضطرب أو متعكر المزاج. يدرك بعض الأهالي المتفّهمين أن التعاطف يفيد كثيراً في هذه الحالة. في السنة الماضية، كتب ثنائي من كاليفورنيا ملاحظات ومرروا أكياساً من الحلوى إلى الركاب حين سافرا مع طفل لا يتجاوز عمره الأربعة عشر أسبوعاً للمرة الأولى.لكن حتى أكثر الأهل جهوزية قد يفقدون السيطرة على الوضع. حين كان أطفالي أصغر سناً، كانوا يعانون ألماً في جيوبهم الأنفية ووجعاً في الأذن حين تبدأ الطائرة بالهبوط. جربتُ كل شيء: مزيلات الاحتقان، وسدادات الأذن لتخفيف الضغط الجوي، والعلكة، والمصاصات الخالية من السكر، والحلوى المطاطية، ومكعبات الثلج. تعلمنا ضرورة تجنب المقاعد التي تقع حول أجنحة الطائرة ولم نعد نستقل طائرة تسع 50 راكباً لأنها تزيد الألم الناجم عن الضغط الجوي سوءاً.رحلة العودةمررنا بدورنا ببعض اللحظات المتوترة مع طفل لا يكف عن البكاء.تذكّرتُ رحلة العودة من باريس مع زوجي وقارنتها مع الفترة التي سبقت إنجاب الأطفال. تذمرت من الوضع امرأة كانت تجلس بالقرب منا ورفضت البقاء في الصف نفسه مع أهل يصطحبون طفلاً صغيراً. كان سلوك الطفل أكثر نضوجاً من تلك «الراشدة»! لكن في المقابل ثمة سلوكيات غير مقبولة فعلاً. فقد أكد أحد المسافرين أنه شاهد إحدى الأمهات وهي تغير حفاض طفلها القذر على مقعده حين توجه إلى الحمّام.اعترفت أم بأنها أعطت طفلها دواء «بينادريل» لمحاولة تهدئته خلال الرحلة. لكن بدل أن يشعر بالدوار، كان الأثر معاكساً فأصبح كثير الحركة لدرجة أنه كاد يضرب أنف أمه.حتى المسافرين الصغار الذين اعتادوا على السفر وما عادوا يسببون الإزعاج ذكّرونا بأن بعض الاضطرابات الطارئة لا يمكن تجنبها دوماً. خسرت ابنتي حين كانت في الصف الرابع الابتدائي سنّها خلال إحدى الرحلات وبدأت تنزف بشدة، فاستنزفتُ جميع المناديل الموجودة في حقيبتي. اضطررنا أن نطلب من مضيفة الطيران التي كانت تقدم المشروبات مناديل إضافية لوقف تدفق الدم. بدا طبق الطفلة أشبه بساحة جريمة. أعطتنا مضيفة الطيران سريعاً مجموعة من المناديل المربعة الصغيرة. يا لها من أجواء ودية!تعاطفيبدو أن أفضل مقاربة تشمل التعاطف مع الركاب الذي يصطحبون أطفالهم أو ينامون أو يقرأون خلال الرحلة. قد يكون المسافرون مرهقين أصلاً أو ربما يتوجهون لرؤية شخص مريض أو شخص عزيز عليهم يوشك على الموت.تحاول بعض الخطوط الجوية تخفيف الاشتباكات بين الركاب عبر إنشاء مناطق خالية من الأطفال. بدأت خطوط «طيران آسيا» (AirAsia) المتدنية الكلفة في جنوب شرق آسيا توفر منذ بداية هذه السنة «منطقة هادئة» مخصصة لمن هم فوق عمر الثانية عشرة خلال رحلاتها الطويلة.عند السفر مع حشود كبيرة، يجب ألا ننسى مدى سهولة استعمال السماعات للتخلص من الضجة المحيطة. لكن في المقابل من الأصعب تجنب روائح المأكولات القوية إذا كنا نجلس بين مقعد النافذة والممر بين المقاعد!
توابل - علاقات
السفر مع الأطفال: لا لحظات مملّة على متن الطائرة
27-06-2013