بينما يسعى الأميركيون إلى إيجاد حل بديل يجنبهم الاختيار الصعب بين تقبل قيادة إيرانية غامضة تصنع أسلحة نووية أو قصف منشآت إيران النووية بشكل استباقي، يقدم أحد المحللين مساراً ثالثاً مناسباً. هذا المسار مستوحى من سياسة قديمة يتم اتباعها للتعامل مع خصم مختلف (إنها طريقة إدارة ريغان في التعاطي مع الاتحاد السوفياتي)، لكن يقدم هذا النموذج غير المتوقع مقاربة مفيدة.

Ad

يرى أبراهام د. سوفاير، وهو قاض أميركي ومستشار قانوني سابق في وزارة الخارجية الأميركية ومسؤول في معهد "هوفر" حالياً، في كتابه "مواجهة إيران: القوة والدبلوماسية والتهديد الإيراني" (Taking On Iran: Strength, Diplomacy and the Iranian Threat)، أن واشنطن، منذ سقوط الشاه خلال إدارة كارتر، "ردت على العدائية الإيرانية بعقوبات غير فاعلة وتحذيرات وإدانات فارغة".

بحسب رأيه، لم تركز الحكومة الأميركية منذ عام 1988 على القوة العسكرية الإيرانية التي تحمي النظام الإسلامي في البلد وتنفذ اعتداءات خارجية في أغلب الأحيان، وتُسمى تلك القوة "الباسدران" في اللغة الفارسية أو "الحرس الثوري الإيراني". نشأت هذه القوة النخبوية المؤلفة من 125 ألف عنصر في عام 1980 وهي تضطلع بدور هائل في الحياة السياسية والاقتصادية الإيرانية. هي تملك وحداتها الخاصة من الجيش والسلاح البحري والقوات الجوية، وتسيطر على برامج الصواريخ البالستية، وتتقاسم السيطرة على برنامج البلد النووي. كذلك، هي تدير جماعة "الباسيج" التي تفرض العادات الإسلامية الصارمة على الرأي العام الإيراني. تبدو قواتها العسكرية أقوى من القوات المسلحة النظامية. تنشر "قوة القدس" التابعة لها والمؤلفة من 15 ألف عنصر مظاهر ثورة الخميني في الخارج عبر التسلل إلى البلدان وتنفيذ الاغتيالات. ويتولى المتخرجّون من هذه القوة مناصب أساسية في الحكومة الإيرانية.

أدى الحرس الثوري الإيراني دوراً أساسياً في مهاجمة الأميركيين وحلفائهم ومصالحهم، لا سيما حين تشمل العمليات عدداً من أتباع وشركاء الحرس الثوري المعروفين مثل "حزب الله" و"حماس" وحركة مقتدى الصدر، وحتى "طالبان" و"القاعدة". تشمل عمليات الحرس الثوري الإيراني تفجير الثكنات البحرية والسفارة الأميركية في لبنان في عام 1983، وتفجير أهداف يهودية في الأرجنتين في عامي 1992 و1994، وتفجير ثكنات في مدينة الخبر السعودية في عام 1996، ومحاولة قتل السفير السعودي في واشنطن في عام 2011، وتزويد "حماس" بالصواريخ لخوض الحرب مع إسرائيل في عام 2012 (علماً أن مخزون تلك الأسلحة يتجدد بشكل مستمر).

في المحصلة، أدت اعتداءات الحرس الثوري الإيراني إلى مقتل أكثر من ألف جندي أميركي وأعضاء إضافيين من القوات المسلحة الأخرى والعناصر غير المقاتلة. أدانت الحكومة الأميركية الحرس الثوري الإيراني واعتبرت أنه يرعى الإرهاب ويصنع أسلحة دمار شامل.

يؤيد سوفاير مقاربة مرنة ترتكز على خطوتين للتعامل مع طهران: "مواجهة اعتداءات الحرس الثوري الإيراني مباشرةً والتفاوض مع إيران".

تعني المواجهة في هذا السياق أن تستغل واشنطن "مجموعة الخيارات المتاحة لكبح الحرس الثوري من دون شن اعتداءات استباقية على المواقع النووية". هو يعتبر أن القوات الأميركية لها حق استهداف المصانع، ومنشآت تخزين الأسلحة، والمنشآت المرتبطة بالحرس الثوري (قواعد، موانئ، شاحنات، طائرات، سفن)، وشحنات الأسلحة المعدة للتصدير، ووحدات الحرس الثوري. لا يريد سوفاير كبح عنف الحرس الثوري حصراً بل "إضعاف مصداقيته ونفوذه وإقناع إيران بالتفاوض جدياً" حول برنامجها النووي.

أما التفاوض فيعني التحاور مع طهران حول المسائل العالقة بدل محاولة معاقبتها عن بُعد. يقتبس سوفاير كلام جيمس دوبينز، المبعوث الأميركي السابق إلى أفغانستان، حين قال: "حان الوقت للتعامل مع إيران عبر تطبيق السياسات التي ضمنت الفوز في الحرب الباردة وأصدرت ميثاق وارسو وأعادت توحيد أوروبا: لا بد من التعاون والاحتواء والتواصل عند الإمكان والمواجهة عند الاقتضاء. لقد تحاورنا مع روسيا في عهد ستالين وتحاورنا مع الصين في عهد ماو، وفي الحالتين، أدى التبادل الموسع إلى تغيير نظامهما لا نظامنا. حان الوقت للتحاور مع إيران بشكل شامل ومن دون شروط مسبقة". على نطاق أوسع، يتفق سوفاير مع شستر كروكر، دبلوماسي أميركي سابق، على أن الدبلوماسية هي "المحرك الذي يحول الطاقة والقوة الملموسة إلى نتائج سياسية مهمة".

يتوقع سوفاير أن تساهم المواجهة والمفاوضات المتزامنة في فرض ضغوط أكبر على طهران كي تحسّن سلوكها العام (في ما يخص الإرهاب مثلاً)، وقد تؤدي هذه المقاربة أيضاً إلى إنهاء البرنامج النووي مع ترك خيار الضربة الاستباقية وارداً "إذا فشلت جميع الخيارات الأخرى".

يعتبر وزير الخارجية السابق جورج شولتز في مقدمة كتاب "مواجهة إيران" أن فكرة سوفاير هي "خيار بديل كان يجب تطبيقه منذ فترة طويلة". لقد تأخر كثيراً الرد على الأعمال الوحشية للحرس الثوري بلغة القوة، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها قادة إيران، لكن قد يقدم هذا الوضع منفعة إضافية تسمح بتجنب أعمال عدائية كبرى.

* دانيال بايبس | Daniel Pipes