لو كانت مقاييس ومعايير الجمال التي لديك هي ذات معايير الجمال لدى كل الناس لكان العالم كله قبيحاً، فزوجتك التي تراها قبيحة أو دميمة أو غير جميلة، فإن القُبح ليس فيها لكنه في عينيك اللتين تراها بهما، فأنت لم تحاول أن ترى جمالها ولا تريد أن تراه أو تعرفه، وأنت الذي تريدها قبيحة، فكانت لك في عينيك وحدك كما أردت أن تراها. وإذا كنت تعتقد أن نجمات السينما وملكات الجمال هن أجمل نساء العالم، وتندب حظك العاثر على حالك، وتموت حسداً على ابن المحظوظة الذي تزوج منهن، فاعلم أنك واهم، وأنك وحدك الذي تراهن كذلك، لأن ابن المحظوظة الذي تزوج بهن قد هانت عليه الملايين للفرار بجلده والخلاص منهن وهو في قمة السعادة؛ لزوال الكابوس الذي دفع الملايين لينعم به، ثم بعد أيام أو شهور قليلة دفع عشرات الملايين لطلاقها والخلاص من الجحيم الذي كانت تجحظ عيناه حسداً وطمعاً فيهن. وإذا كنت تعتقد أن من يقيمون في القصور أو الفنادق ذات السبع نجوم غارقون في بحر من السعادة والنعيم لوجودهم في هذه القصور أو الفنادق، فاعلم أن هؤلاء الذين تراهم بالقصور والفنادق يهربون منها للإقامة بالخيام في الصحراء والبر، ويسعدون بوجودهم فيها أكثر ألف مرة من وجودهم بالقصور والفنادق ذات السبع نجوم. وإذا نظرت إلى مائدة الطعام قبل دقائق من الإفطار في شهر رمضان، ثم نظرت إلى ذات المائدة بعد الإفطار بدقائق ستعلم يقيناً أن الجمال والقُبح في عينيك أنت وليس فيما تراه، وكما يقول جبران خليل جبران: "إن الجمال ما هو بالصورة التي تود أن تراها، ولا الأغنية التي تود أن تسمعها، إنما هو صورة تراها وإن أغمضت العين، وأغنية تسمعها وإن سددت الأذن". إذن فأنت الذي أردت الصورة التي تراها وعيناك اللتان رسمتا البريق الذي أخذ قلبك، وإنك جعلت نفسك بنفسك ضحية للبريق الكاذب الذي يغشي عينيك عما في يديك؛ فتزهده وتطمح إلى ما في أيدي الناس فترغبه. فالجمال والسعادة ليسا حكراً على بعض الناس، إنما هما في عينيك وقلبك تستطيع أن تجعلهما تعُمان وتغشيان ما بيديك وحولك من أشخاص وزمان ومكان، والسر هو الرضا.والرضا هو همة عالية، ونفس زكية، وتوطين للنفس الرضية على قبول الردية، هو القناعة بما في أيدينا ورفع الخوف من زوال النعمة وعدم الجزع من حلول النقمة وترك السخط والحسد والغل والحقد على ما بيد غيرنا، وأن نرضى بما قسم الله لنا في أي حكم كان، ونستبشر بما عندنا ونعمل ونكدح راجين فضل الله واستقبال النعمة بقلب طاهر وروح صافية، والصبر عند الضيق وترقب اليسر بعد العسر دون قنوط. وإن لم يأت فالله يكفينا، وهو ولينا لأنه لا وجود للكرب مادمت تؤمن أن هناك رباً، والقانعون هم العالمون بفضل الله ونعمائه عليهم، هم المطمئنون الراضون بقضاء الله لا يتنازعون ولا يتنافسون، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ولا يتطلعون إلى زينة الدنيا وزخرفها ملء عيونهم. فالرضا هو أن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت، فلا تشغل قلبك هماً بما ليس في يدك، وأتعب خلق الله من بات حاسباً ومن بات في نعمائه يتقلب، فالعبد حر ما قنع والحر عبد ما طمع، والعبد ذو ضجر والرب ذو قدر والدهر ذو دول والرزق مقسوم، والخير أجمع فيما اختار خالقنا وفي اختيار سواه اللوم والشؤم. ووصف الأديب اللبناني أمين الريحاني الرضا قائلاً "أن أحيا دون أن أبغض أحداً، وأحب دون أن أغار من أحد، وأرتفع دون أن أترفع على أحد، وأتقدم دون أن أدوس على من هم دوني، أو أحسد من هم فوقي"، وكان عمر بن عبدالعزيز– رضي الله عنه- يدعو "اللهم رضّني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته ولا تأخير شيء عجلته". وقد وصف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الرضا بأروع الوصف فقال "مَن كانت الآخرَة هَمه جَعَلَ الله غنَاه في قَلبه، وجَمَعَ له شَملَه، وَأَتَته الدنيَا وهي راغمَةٌ، ومَن كَانَت الدنيَا هَمّه جَعَلَ الله فَقرَه بَينَ عَينَيه، وَفَرقَ عَلَيه شَملَه، وَلَم يَأتِه منَ الدنيَا إلا ما قدرَ له". وكل ذلك لسبب بسيط ومنطقى ذكره الله عز وجل في حديث قدسي قال فيه رب العزة "أنت تريد وأنا أريد، فإن أطعتني فيما أريد أعطيتك ما تريد، وإن عصيتني فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد فإني فعال لما أريد". ثم خطب الرسول الكريم قائلاً :"إن الدنيا دار التواء، لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، وأن الله قد جعلها دار بلوى وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي"، وأقسم - صلى الله عليه وسلم- قائلاً "فو الله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم".وقال تعالى "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" (النساء- 32). وقال أيضاً "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". (يونس- 107).
مقالات
الجمال في عينيك
06-07-2013