يقول العقل والمنطق إن المتضادات لا تجتمع، لكن سليمان الفليح خالف المتعارف عليه، وضم قلبه الحداثة مغلفة ببداوة كانت معه منذ الصغر، واستمرت تقود حياته وتسيرها في الكويت، حيث مراتع الصبا وبدايته كرجل وأديب ابتدع الشعر الحر الذي كان كما هو وأبدع فيه، في وقت كان فيه "النبط" ولايزال متربعا على حروف ولغة الضاد.

Ad

ونقل إبداعاته معه إلى بلده الأصلي، وكذلك حزنه الذي تميز به شعره ونثره... وحتى الهذرولوجيا، التي وإن كان طابعها السخرية لكنها كانت مثل السيمفونيات، تطرب الأذن وتتعب القلب.

فؤاد بوسامي كانت تهزه ناقة "تخلج" على ولدها أو على "مراحها القديم"، وتثير مشاعره وتشحن عاطفته رواية أجنبية أو كتاب لأديب عربي مثل جبران أو منيف, ألم يجمع المتضادات في كيانه.

والخيمة لم تكن استراحة أو وقتا للهو... جلسته فيها، بل هي مكان يغسل فيه روحه من صخب المدينة والدواوين الأسمنتية، فيها تستعيد نفسه... نفسها وترتاح جوارحه من هموم عاشت معه لفترة طويلة، وكانت حافزا ومحركا لإبداع قل أصحابه وتاه أهله في حضارة مزيفة استطاع سليمان أن يكشفها ويتخلص منها... ويظل يغني "في صحراء الألم"، ويشارك "البدو الرحل" أحزانهم، ويسهر مع "الرعاة على مشارف الفجر"، وهو أمير الصعاليك... أليس هو ابن الصحراء التي حلق فيها كما "طائر الشمال"، وعرفها ومضاربها حتى أصبح ابنا لها.

سليمان فليح، رحمه الله، لم التق به يوما، ولم أعرفه للأسف إلا بعد وفاته!