أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤلفا بعنوان «عتبات النص في الرواية العربية»، للدكتور عزوز علي إسماعيل، أستاذ مساعد الأدب والنقد بكلية الدراسات اللغوية في الجامعة العربية المفتوحة بالكويت.

وتشمل الدراسة عددا غير قليل من عتبات النصوص، وقد بدأت بمقدمة ذكر فيها الباحث أسباب اختياره لهذا الموضوع، والتي يأتي على رأسها أن دراسة العتبات أصبحت أمراً ضرورياً، خاصة مع وجود الشعرية، والتي تجلت في النصف الثاني من القرن الماضي.

Ad

وذكر الباحث في هذه المقدمة الدراساتِ السابقةَ التي تناولت العتبات، سواء أكانت الغربية أم العربية، فضلاً عن أبحاث ومقالات في دوريات متعددة. واختصت المقدمةُ كذلك بذكر الاتجاه النقدي المتبع، وهو الاتجاه السيميولوجي؛ ذلك الاتجاه الذي يختصُّ بعلم الإشارات والعلامات؛ وهو من أنسب المناهج التي يمكن استخدامها في مثل هذه الدراسة.

وتنازع هذا الاتجاه منذ نشأته تياران الأول لساني ويمثله فريدنان دي سوسير، والثاني فلسفي ويمثله تشارلز ساندرز بيرس C.H.peirce، وقد عرّف سوسير السيمياء بأنها علمٌ يدرسُ حياةَ العلاماتِ في الحياة الاجتماعية، ويبين قِوَام العلامة والقوانين التي تسيّرها، وفي الوقت نفسِه كتب بيرس إن المنطق، بمعناه العام هو اسمٌ آخر للسيمياء ومذهبٌ شبه ضروري وشكلي للعلامات، ومن هنا جاء الاهتمام بالمنهج النقدي.

وقد اختارت الدراسة مجموعة من الروائيين من أقطار عربية مختلفة، ومن هؤلاء جمال الغيطاني في دفاتر التدوين «نثار المحو»، وليلى العثمان في «صمت الفراشات»، واسيني الأعرج في «سيدة المقام» و»طوق الياسمين»، ورضوى عاشور في «قطعة من أوروبا»، وبهاء طاهر في «واحة الغروب»، وفاضل السباعي في رواية «الطبل»، وكان لاختيار هذه النخبة أنها ممن نالوا جوائز مرموقة في العمل الروائي، وأن بصماتِهم واضحةٌ في العالم العربي.

قضية المصطلح

وقد مهد د. عزوز للموضوع من خلال تبيان العتبات في النقد القديم والحديث، مدللا على احتفاء العرب قديما بعتبات النصوص، وتناول كذلك قضية المصطلح؛ ذلك أن مصطلح Le Paratexte، الذي طرحه الناقد الفرنسي جيرار جينت، أحدث اضطرابا في الترجمة بين المشرق والمغرب لاعتماد النقاد المترجمين على الترجمة الحرفية للكلمة الفرنسية، فمنهم من أسماه بالمناصصات أو بالمناص مثل الناقد سعيد يقطين، ومنهم من أسماه النص الموازي وهو محمد بنيس، أو المحيط الخارجي عند فريد الزاهي، أو الموازي النصي عند الباحث التونسي محمد الهادي المطوي، أو النصية الموازية عند المختار حسني، أو الملحقات النصية عند الناقد السوري محمد خير البقاعي، ومن هنا تظهر الإشكالية في الترجمة.

واستخلصت الدراسة تعريفاً خاصاً بالعتبات، وهو أنَّ عتبات النصوص هي مجموعة من النوافذ والتنبيهات، والخادمات، والمنطلقات والإضاءات والمقدمات التي تفضي إلى نتائج حتمية؛ نتيجة التلاقح بينها وبين النص، وهي أيضاً الرسائل التي تطوف باستمرار حول جسد النص؛ محدثة به تغييراً.

هذا التغيير تحكمه المقاربات التفسيرية لتلك العتبات، وما يقوم به المتلقي من فك شفراتها، ويأتي ضمن عتبات النصوص العنوان، الغلاف، الإهداء، الاستهلال المقدِّمة، التوطئة، التصدير، ثمَّ الجمل المفتاحية، والهوامش والتذييلات والجمل الخواتيم. والخاتمة نفسها، وغيرها من العتبات، وهو ما يطلق عليه النص الموازي الداخلي، وهو بيت القصيد في هذه الدراسة، وهناك النصُّ الموازي الخارجي الذي يتمثل في الكتابات الصحافية والتقارير واللقاءات مع المؤلف.

فصول الكتاب

يطل الفصل الأول من الكتاب؛ حاملاً عنوان «العنوان» لتقوم الدراسة بمعرفة المعنى المعجمي عند كلِّ عنوانِ روايةٍ وإشارةِ ذلك العنوان ووظيفته وعلاقته بالمقاطع السَّردية. وكيف أنَّ العنوانَ هو بوابةُ العمل الروائي، فمن خلاله تُفتح أبوابُ النصِّ المغلقة، وتُستقى بعض المعلومات الخاصة بالعمل الروائي، ومن خلاله أيضاً يُنَفّض الغبار عنه، فهو الشارح لما يدور من أحداث داخل الرواية، فالقارئ يبدو أحياناً مبهوتاً بالعنوان.

لكن حينما يعرف مقصِدَه وإشاراتِه ووظيفتَه ينفرج ذلك البهوت؛ لأنَّ العنوانَ هو أول ما يواجه المتلقي من العتبات التي تحمل له مزيداً من الثقافة العنوانية، والتي تفتح له بعض الأفق الخاصة بالعمل الإبداعي فكل عنوان هو مرسلةٌ صادرةٌ من مُرسِلٍ إلى مُرْسَلٍ إليه، وهذه المرسلة محمولة على أخرى هي «العمل».

ومن هنا، فقد أصبح العنوان في هذه الأوقات ذا أهمية تضاف إلى أهميته الأولى وأن أهميته الحالية، تكمن في أنه أصبح متمرداً على نفسه وأراد أن يجد له مكاناً بين المؤلفات بعد أن كان مهمشاً فأضحى عتبةً ذات أهمية من خلال وظائفه المتعددة نحو الإعلامية والإشارية والتسويقية والاقتصادية وغيرها، ومدى علاقته بالبنية السَّردية.

أمَّا الفصل الثاني فقد اختصَّ بـ»الإهداء»، وفيه يتعرف الباحثُ المعنى المعجمي وإشارات الإهداء ووظيفته، وعلاقته بالرواية، وكيف أنَّ الإهداءَ من العتبات التي لم تدرس من قبل. فالإهداءُ يشير إلى التقدير من المُهدي إلى المهدى إليه ومدى صدق المشاعر تجاه الآخر؛ سواءً أكان هذا الإهداء مطبوعاً على الصفحة أو أن يقوم المُهدي بكتابته على ما يهدى به من كتاب ونحوه.

ويشير الإهداء ايضا إلى الارتباط بين المُهدي والمهدى إليه، وقد درج بعض الروائيين على تصدير رواياتهم بالإهداء المعنوي إلى أحبِّ الناسِ إليهم؛ أو لمن قدَّم لهم معروفاً. واللافت في هذا الكتاب أن الباحث أهدى العمل لنفسه ولآخرين، على غير ما هو معهود.

الفن والأدب

وجاء الفصل الثالث حاملاً عنوان «الغلاف»، وقد انصبَّت الدراسة على إشارةِ ووظيفة الغلاف، ومدى علاقته بالرواية، من خلال المقاطع السَّردية الواردة فيها، وكيف أنَّ هذا الغلافَ أصبح علامةً حضاريةً؛ خاصةً بعد دخول عصر الطباعة، وأصبحت هناك رؤيةٌ خاصةٌ بكلِّ فنانٍ تشكيلي يصمم الغلافَ.

واستنتج الباحث في نهاية الأمر أن للغلاف ثلاثَ مدارس؛ الأولى أن يكون الغلاف لديها مفسِّراً للعمل، والفنان في هذه المدرسة لم يعش تجربة الروائي بل جعل هناك ترجمة للعمل، والمدرسة الثانية أن يكون الغلاف لديها نصاً موازياً يقوم بعمل تجربةٍ ثانيةٍ بعد تجربة الكاتب، ويلتقي الرَّسَّام والرِّوائي عند الحدود الثقَّافية لكلٍّ منهما.

أما المدرسة الثالثة فإن الغلاف لديها يأتي مفاجئاً ومباغتاً للمتلقي؛ بحيث يكون نصَّاً مغايراً تماماً عمَّا تحتويه الرِّواية وصادماً للمتلقي، ومن هنا فإنه لابد من دراسة الفنِّ بجوار دراسة الأدب؛ ذلك أنَّ معظم كليات الدِّراسات الإنسانية تقوم بعمل دراسات لدراسة الفنِّ؛ سواء أكان هذا الفَنُّ مرتبطا بالصورة أم الرَّسَّمة أم الفن التَّشكيلي بصفةٍ عامةٍ؛ لأنَّ الفنَّ هو ما أتاح للإنسان أن يرتقي بنفسه بعد أن عبَّر عنها بالصُّورة وغير الصُّورة.

فالغلاف يحتوي على خطابٍ ذاتي وغير ذاتي، الذَّاتي في رؤية الفنَّان، وغير الذَّاتي فيما إذا تضمن مشاهدَ للعمل نفسه معبرةً عن ذاتية الكاتب، ويحتوي كذلك على ما هو مجردٍ وما هو واقعي، فالمجرد يتميز بأنَّه تعبيرٌ عن الرَّسَّام ورؤيته بينما الواقعي هو تعبيرٌ حي عن العمل ذاته. ويحوي كذلك العلامات اللغوية والبصرية، فضلاً عن المؤشرات النَّقْديَّة من كلماتٍ للنَّاشر أو المؤلِّف، أو غيرهما.

ثم يأتي الفصل الرابع والأخير والذي حاول فيه الباحث مقاربة «المقدِّمة والتصدير والمدخل والهوامش والتنويهات والإرشادات ووظائفها وعلاقاتها بالرواية» في الروايات محل البحث. وفي النهاية كانت نتائجُ البحثِ، والتي تمنى فيها د. عزوز من الله العلي القدير أن يكون قد وفق في الوصول إليها من ذلك البحث.