تجلس على الأريكة في غرفة الجلوس وتروح تقلّب محطات التلفزيون محاولاً اتخاذ القرار: «هل أبقى جالساً أم أنهض لتناول وجبة خفيفة؟». تدعم هذه القرارات اليومية بشأن «البقاء» أو «الذهاب» منطقةٌ من الدماغ تُدعى القشرة الحزامية الأمامية (anterior cingulate cortex)، التي تُشكّل جزءاً من قشرة الفص الجبهي. حدد علماء الأعصاب عناصر مهمة تساهم في هذه القرارات في القشرة الحزامية الأمامية.نشر البرفسور المساعد في مختبر مرفأ كولد سبرينغ في نيويورك آدم كيبيكس وفريقه نتائج تربط للمرة الأولى أنواعاً محدّدة من خلايا الدماغ بنمط سلوك معيّن لدى الفئران، نمط {الذهاب أو البقاء} أو ما يُسمى {سلوك الاعتلاف} (foraging behavior). يُظهر التقرير، الذي نُشر في موقع Nature على شبكة الإنترنت، أن إطلاق نوعَين مختلفين من العصبونات المثبِّطة يُعرفان بعصبونات بسوماتوستاتين وبارفالبومين يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببدء مرحلة من السلوك الاعتلاف وانتهائها. تبيّن أن ربط أنواع محددة من العصبونات بسلوك محدّد بالغ الصعوبة. يذكر كيبيكس: «ثمة فجوة كبيرة بين معرفتنا أنواع العصبونات وموقعها في الجسم وارتباطها بدارة عصبية محددة وبين ما تقوم به هذه العصبونات خلال سلوك معيّن».تحديات التقنيةيعود جزء من هذه المشكلة إلى التحديات التقنية التي يواجهها العلماء خلال إجراء دراسات مماثلة على فئران حية تتصرف بحرية. وبغية حلّ هذه المشكلة، طوّر زي. جوش هوانع، بروفسور في مرفأ كولد سبرينغ، نموذجاً مميزاً من الفئران. تتمتع هذه الفئران بتعديلات جينية تتيح للباحثين استهداف مجموعة محددة من العصبونات بواسطة البروتين الذي يشاؤون.استخدم فريق كيبيكس، الذي قاده الدكتوران دودا كفيتسياني وساتشن راناد، هذه الفئران بهدف تصنيف أنواع محدّدة من العصبونات في القشرة الحزامية الأمامية بواسطة بروتين ينشط بالضوء، وتسمى عملية الوسم هذه optogenetic tagging. فكلما سلطوا الضوء على دماغ الفئران التي يستخدمونها لتسجيل البيانات، كانت عصبونات بسوماتوستاتين وبارفالبومين تتفاعل في الحال، ما يؤدي إلى ارتفاع حادّ في نشاطها. وهكذا نجح العلماء في تحديدها وسط عدد كبير من ردود الفعل الخلوية التي تُرى في لحظة معينة.سجّل الفريق النشاط العصبي في القشرة الحزامية الأمامية لدى هذه الفئران خلال انهماكها بسلوك الاعتلاف. فتبيّن له أن عصبونات بسوماتوستاتين وبارفالبومين المثبّطة تتفاعل خلال قرارات الاعتلاف (بكلمات أخرى: هل تبقى وتشرب أم ترحل وتستكشف مكاناً آخر؟). عندما دخلت الفئران منطقة حيث يمكنها الحصول على الماء كمكافأة، كانت عصبونات بسوماتوستاتين تتوقف وتدخل مرحلة من النشاط المنخفض، ما يتيح للمعلومات بالتدفق إلى القشرة الحزامية الأمامية. ولكن عندما تقرر الفئران مغادرة المنطقة والبحث في مكان مختلف، تنطلق عصبونات بارفالبومين وتعيد فجأة ضبط نشاط الخلايا.يوضح كيبيكس: «الدماغ معقّد وناشط باستمرار. لذلك من المنطقي أن يحدّد النوعان من العصبونات المثبّطة المتفاعلة حدود سلوك مثل الاعتلاف، فيفتحان الباب أمام المعلومات ويقفلانه داخل دارة عصبية مميزة من خلال تبدّل نشاطهما».تفاعلاتيُعتبر ذلك تقدّماً مهمّاً يعالج مشكلة علم الأعصاب السلوكي التي يدعوها العلماء «حديقة حيوانات التفاعل القشري». عندما يسجّل الباحثون نشاطاً عصبيّاً في القشرة المخية خلال سلوك ما، ولا يدركون أي نوع من العصبونات يسجلون منه البيانات، يُلاحظون مجموعة محيرة ومذهلة من التفاعلات. ولا شك في أن هذا يعقّد مهمة تفسير نشاط الدماغ. من هنا تنشأ أهمية نتائج فريق كيبيكس لأنها تُظهر أن نوعين محددين من الخلايا العصبية القشرية يرتبطان بأوجه معينة من السلوك.يوضح كيبيكس: «نقسّم الدماغ والسلوك إلى مستويات: ما هي أنواع الخلايا؟ أي شبكات ودارات تشكّل؟ في أي منطقة من الدماغ نراها؟ وفي أي سلوك تؤثر؟ لذلك عندما نكتشف أن نشاط أنواع محددة من الخلايا في القشرة الأمامية يرتبط بسلوك معين، نكون قد حددنا الرابط بين هذه المستويات».يرتبط نشاط نوعين من العصبونات المثبِّطة يُعرفان بعصبونات بسوماتوستاتين وبارفالبومين بالقرارات التي تُتخذ خلال سلوك «الاعتلاف» لدى الفئران. إلى اليسار، قررت الفأرة الخروج من منطقة المكافأة المائية، فتوقف نشاط عصبونات بارفالبومين، ما يظهر من خلال ارتفاع النبض العصبي لدى سبايكس (أحمر). وإلى اليمين، قررت الفأرة دخول منطقة المكافأة المائية، التي ترتبط بتراجع نشاط عصبونات بسوماتوستاتين (الأزرق). إذاً، يرتبط نشاط النوعين من العصبونات بقرار البقاء أو الرحيل خلال سلوك «الاعتلاف».
توابل - Hi-Tech and Science
أبقى أم أرحل؟ علماء يربطون أنواع خلايا الدماغ بالسلوك
07-06-2013