الثورة تعبير صادق لحالة رفض الواقع، وسعي حثيث لإنتاج واقع جديد يقوم على التغيير وإعادة البناء وفق نظرية ما أو وفق رغبة شعبية تتوق للحرية ولثقافة الحياة، وهذا يحتم عليها تفعيل الجانب الأخلاقي في سلوكها بحيث ينسجم مع رقي أهدافها، وأي انحراف فيها عن هذا الجانب سيحولها إلى "مقبض شرّ" سرعان ما تسقط مهما طال ليلها وتصبح فيما بعد لعنة من لعنات التاريخ... ولهذا يجب أن تتصالح مع ذاتها أولاً، وتستوعب خصومها ثانياً- من غير القتلة- حتى لا تنتج استبداداً آخر.

Ad

الثورة الإيرانية، التي حملت الطابع الشعبي وجاءت بحلم التغيير والخلاص من الاستبداد، سرعان ما سقطت في أول امتحان ديمقراطي وطني عندما عزلت أول رئيس لديها وأحد أعمدة الثورة "الدكتور محمد أبو الحسن بني صدر" لتوجهاته الليبرالية، وطاردته إلى المطار لقتله، ولكن هروبه كان أسرع من منصتها.

وبدأت بعدئذ بالتنكيل بالخصوم من التوجهات الأخرى ولم ترحم امرأة، ولا شيخاً، ولا صغيراً وصولاً إلى "الثيوقراطية" مما شكل خطراً على المنطقة العربية عموماً لاعتمادها صيغتي التصدير والتوتير في محيطها من خلال ربط بعض المكونات فيه بمرجعيتها وإلحاقها بسياستها على حساب انتمائها الوطني والقومي مما يؤمن لها ورقة ضغط مهمة تساوم فيها وفقاً لمصالحها في الهيمنة والتوسع... مع توفر برنامج تسليح ونووي داعم يجعل منها "كسرى آخر" في المنطقة ولكن باسم الإسلام وتحرير القدس.

نعترف بأن أمننا الوطني بات مخترقاً بدرجة كبيرة من قبل إيران، وباتت بعض المكونات المرتبطة بها روحياً- كما أسلفنا- خاصرة رخوة بالجسد الوطني. ونحن لا نلقي التهم جزافاً وإنما نصور الواقع على حقيقته حيث "الحوثية" في اليمن، و"حزب الله" في لبنان، و"الدعوة" و"الصدري" في العراق، و"التحالف من أجل الجمهورية" في البحرين، وبعض الشغب في شرق وجنوب السعودية، والطامة الكبرى في "النظام السوري"، الذي بات ركيزة المشروع الفارسي بالمنطقة وباتت معه سورية المحافظة الـ35 في إيران حسب وصف أحد "آيات الله".

وأضحى قاسم سليماني رئيس الحرس الثوري، أو "فيلق القدس" لا فرق، الحاكم العسكري لها، حسب وصف رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب... وها هي جحافل "حزب الله" تنتهك السيادة السورية وتحتل بعض قراها، وأضحى الحزب سكيناً فاعلاً في الدم السوري.

النوايا الخبيثة غالباً ما تغلف بأغلفة جميلة وتحمل على سطحها أرق وأجمل العبارات وأقوى الشعارات بهدف الخداع وتمرير الأجندات، لكن ما إن تتعرض جدياً لامتحان المصداقية حتى ينكشف المستور وتظهر الحقيقة وإنما بثمن غالٍ أحياناً.

فشعارات تحرير القدس والممانعة والمقاومة لا ننكر أنها جرفتنا بتيارها وأغشت أعيننا عن خطورة المشروع الفارسي الذي يوازي في خطورته المشروع الصهيوني، ويحسب للثورة السورية أنها كشفت زيف هذا المشروع، وتدفع الآن أغلى الأثمان في التصدي له وإسقاطه مع إسقاط كل شعاراته الوهمية أيضاً وسط سلبية شديدة من النظام العربي والمعني الأول في هذا المشروع، وقد توقف دوره بالتصدي والمساندة عند الإغاثة فقط رغم أنه يستهدف الأمن القومي العربي برمته، وقد يفتح الباب على صراع مذهبي يحرق المنطقة كلها، مع سلبية دولية شديدة أيضا تمنع الهواء والماء عن الثورة بحجج لا تخدم سوى النظام السوري المجرم.

الربيع العربي تحقق نتيجة لتراكمات كثيرة، وإيران تختزن منها ما يفوق أي ربيع آخر، وتأخر ظهوره لديها يعود لطبيعة النظام "الثيوقراطية"... ولكن منطق التاريخ ومنطق الحياة سيسودان في النهاية، لأن الثورة الإيرانية استنفدت صلاحيتها ولم تعد صالحة للتداول الإنساني.