يقول آشتون كوتشر الذي يؤدي دور الرمز الكبير في عالم التكنولوجيا المتطورة ستيف جوبز في فيلم Jobs الجديد: «أظن أن الأمور تحدث لسبب معين. يمكن اعتباره أحد أعظم المخترعين في عصري. لكني لا أعلم ما كان يمكن أن أحصل عليه من ذلك اللقاء».

Ad

في المقام الأول، يعتبر كوتشر أنه كان ليحصل على انطباع موقت عن جوبز في حال التقى به، وكان ذلك لينعكس سلباً على طريقة تجسيده للدور: «ربما فعل أمراً لم يسبق أن قام به إلا في ذلك اليوم، لكني كنت لأتمسك بذلك الأمر. لذا ربما، وأقول ربما... كنت محظوظاً لأنني لم أقابله».

كان كوتشر يتحدث عن فيلم Jobs قبل عرضه أمام مجموعة من المدعوين من بينهم: مديرون تنفيذيون لشركات تكنولوجية متطورة وصحافيون في سان فرانسيسكو. جلس الممثل كوتشر (35 عاماً) في صالة المؤتمرات في فندق «ريتز كارلتون» مع مخرج الفيلم جوشوا مايكل ستيرن، وقد بدا بعيداً عن أجواء الأعمال التلفزيونية الكوميدية التي اشتهر بها: والدن شميت في برنامج Two and a Half Men على قناة «سي بي إس» ومايكل كيلسو في برنامج That 70s Show على قناة «فوكس».

بسبب الشخصيات الخرقاء التي كان يجسدها هذا الممثل على التلفزيون، قوبلت فكرة أن يؤدي دور جوبز على الشاشة بكم هائل من الشكوك في البداية. لكن لطالما كان كوتشر لاعباً في عالم التكنولوجيا ولديه شغف تجاه وسائل الإعلام الاجتماعية، وهو يعمل كمستثمر رأسمالي في الشركات المبتدئة.

إشادة هائلة

صحيح أن الفيلم أثار جدلاً واسعاً قبل عرضه، بما في ذلك انتقادات من أحد مؤسسي شركة «آبل» وصديق جوبز القديم ستيف وزنياك، لكن حصد كوتشر إشادة هائلة نظراً إلى قدرته على أداء دور الرجل الذي أعاد ابتكار قطاع الحواسيب والثقافة الأميركية.

يقول كوتشر وهو يتنهد: «كنت محظوظاً بالفعل لأن كثيرين كانوا يقللون من شأني دوماً. أظن أن هذا الأمر مفيد من ناحية معينة».

انطلق مشروع الفيلم قبل وفاة جوبز بفترة. بدأ كاتب السيناريو مات وايتلي الذي يخوض هذه التجربة للمرة الأولى، العمل في الوقت الذي أخذ فيه جوبز إجازة مرضية من شركة «آبل» لمحاربة شكل نادر من سرطان البنكرياس. أدت تلك الجراحة إلى تسريع وفاة جوبز وحصلت أولى المكالمات التي أجراها المخرج ستيرن مع كوتشر الذي أبدى اهتمامه بالمشاركة في الفيلم.

يشيد ستيرن بكوتشر لأنه جعل تلك التجربة «عيّنة مثالية لما يجب أن يفعله أي ممثل خلال اجتماع» بشأن فيلم جديد. يوضح ستيرن: «يجب أن يحضر الممثل بعد إتمام كامل أبحاثه عن الدور. يجب أن يدرك جوانب الشخصية. عندما يلتقي الممثل بالمخرج، يمكن أن يستنتج الأخير من الاجتماع أن ذلك الشاب يستطيع أداء الدور وأنه ملتزم ويهتم كثيراً بالعمل».

منذ البداية، كان واضحاً أن كوتشر «وقع في غرام الشخصية وفهمها». يعترف كوتشر بأن الفرصة كانت غير مألوفة بالنسبة إليه، فقد كانت أشبه بخليط مثالي بين الاهتمامات الشخصية ومتطلبات المهنة: «يجب أن يبدي كل شخص اهتمامه بمهنته، لكن حين يكون محور الاهتمامات الشخصية جزءاً من المهنة، يصبح الوضع حماسياً جداً».

بدأ تصوير فيلم Jobs في يونيو 2012 وقد شمل ثلاثة أيام من العمل في المنزل والحي الذي نشأ فيه جوبز فعلياً في لوس ألتوس، كاليفورنيا. كان مرأب العائلة «المقر» الأول لشركة «آبل». تم تصوير معظم مشاهد الفيلم في لوس أنجلس، لكن أصرّ ستيرن على ضرورة اختيار المواقع الصحيحة لبث الأجواء الحقيقية التي كانت سائدة في بداية تأسيس شركة «آبل».

يقول كوتشر إن ذلك الجزء من التصوير لم يكن سهلاً لأنه كان لا يزال يحاول تقمّص الدور بأفضل طريقة: «حتى هذا اليوم، لا أعلم إذا كنت أفهم ستيف جوبز بالكامل. ولا أعلم إذا نجح أحد يوماً في فهمه بالكامل. يمكن تكوين صورة عنه بشكل تقريبي فقط. لقد بذلتُ قصارى جهدي كي أتماهى مع ذلك الرجل».

أخيراً، جاء شخص كان يعمل معه ليخبره: «قم بتفسيراتك الخاصة. لا تحرم نفسك من ذلك».

يتابع كوتشر: «بعد تلك المرحلة، كان يجب أن أسامح نفسي على الأخطاء التي كنت سأرتكبها. حين تمكنتُ من القيام بذلك، انطلقتُ وأنا مقتنع بضرورة بذل أقصى الجهود».

سرعان ما أدرك أن الناس الذين لم يعرفوا جوبز عن قرب كانوا يسيئون فهمه ولم يدركوا مدى شغفه بكل ما يبتكره: «كان يهتم بما يفعله أكثر من أي شخص آخر. كان يهتم بشدة لدرجة أنه يتجاهل أحياناً مشاعر الأشخاص المحيطين به... كان ستيف يخصص كل لحظة لتطوير مشاريعه وابتكار منتجات مدهشة لشركته كي يحبها الناس ويعتنوا بها ويستفيدوا منها. بالنسبة إلي، كانت هذه الفكرة ركيزة العمل كله».

حافي القدمين

ثمة مشهد رئيس في فيلم Jobs يظهر فيه جوبز وهو حافي القدمين وقذر بعض الشيء أثناء عمله في شركة «أتاري» برئاسة نولان بوشنيل. في مرحلة معينة، ينظر أحد المديرين إلى جوبز ويقول له: «أنت بارع، بل بارع جداً، لكنك بغيض».

يضيف كوتشر: «بعض الأشخاص لا يهتمون البتة بما يحصل من حولهم. هذا ما يجعلهم بغيضين... وبعض الأشخاص لا يستطيعون منع أنفسهم من التصرف كأفراد بغيضين لأنهم موهوبون جداً. هكذا كان ستيف. كان كذلك حين يستطيع الإفلات بفعلته».

يعبّر ستيرن عن الأمر قائلاً: «نجح كوتشر في تجسيد ذلك التركيز الذي اتسم به ستيف وفهم مدى روعة ابتكاراته. وإذا لم يفهم الناس ذلك، لم يكن سبب المشكلة عجزه عن توضيح الأمر بل عجزهم عن الفهم».

مع اقتراب انتهاء المقابلة، فيما كان كوتشر وستيرن يستعدان لحضور العرض، كشف الممثل فجأةً عن جزء من الشغف الذي ينقله أحياناً على الشاشة في دور جوبز. فقال: «كان السبب الذي دفعني إلى المشاركة في الفيلم بسيطاً جداً. في عالم اليوم، نحن في ذروة الحقبة الاقتصادية حيث بدأت تتلاشى مظاهر الجبابرة القدامى والأنظمة القديمة التي سادت في الولايات المتحدة الصناعية... الأمر المهم الوحيد الذي نشهده هو ازدهار قطاع تصنيع التكنولوجيا».

يذكر كوتشر أن الأشخاص الرواد في هذا المجال هم رجال الأعمال الشباب، مثل الذين يعملون في الشركات المبتدئة، ويبدأون من المكان الذي بدأ منه جوبز ولا شك في أنهم سيواجهون العوائق نفسها: «سيكسب الناس معلومة قيّمة من الفيلم وهي أنّ ستيف جوبز لم يكن دوماً ستيف جوبز. كان رجلاً يجري اتصالات هاتفية بالشركات حيث لا يعرف أحد اسمه. لكن بفضل المثابرة... يمكن تحقيق الفوز واختراع أمر مفيد والمساعدة على بناء العالم من حولنا... في نهاية المطاف، هذا ما كان يمثّله ستيف جوبز»!