قبل أيام قليلة، كتبتُ أن جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري لن تسفر عن أي نتيجة إن كان يظن أنه يستطيع حمل الإسرائيليين والفلسطينيين على التوافق على وضع نهائي. أوضحتُ أن كلا الطرفين ليسا مستعدَين للقبول بالتسويات الضرورية: فلا يملك الإسرائيليون الإرادة السياسية للتراجع عن مشروع مستوطنات الضفة الغربية، في حين أن الفلسطينيين منقسمون وضعفاء.ولا أعني بضعفاء أنهم يواجهون خلافات داخلية، بل إن سياستهم منقسمة فعلاً بين فصيلَين متحاربين: "فتح" في الضفة الغربية وحركة "حماس" في قطاع غزة. من المغالاة خصوصاً في الشرق الأوسط المضطرب اليوم، حيث لا يبدو مستقبل أي دولة مضموناً، الطلب من إسرائيل التخلي عن الأراضي لكيان سياسي، ألا وهو السلطة الفلسطينية الخاضعة لسيطرة "فتح"، لأنها ستعجز عن حكم ما ستمنحها إياه إسرائيل من أراضٍ.ثمة فكرتان لتخطي هذه المشكلة: أولاً، يجب تعيين "كارلوس دينجر" مبعوث السلام الأميركي إلى الشرق الأوسط، فمن يستطيع رفض الخضوع لإرادة سياسي يُدعى "كارلوس دينجر" (كارلوس الخطير)؟ثانياً، يجب التخطيط لطرد "حماس" من قطاع غزة، إذ تعتبر السلطة الفلسطينية وإسرائيل "حماس" عدواً لدوداً. كذلك تدركان كلتاهما أن "حماس" تشكّل عقبة في طريق محادثات السلام. إذن، من الممكن للتخلص من "حماس" (بما أن قطاع غزة سيشكّل نحو نصف ما سيُدعى لاحقاً دولة فلسطين) أن يمهد الطريق أمام مفاوضات حقيقية مثمرة.صحيح أن الإطاحة بـ"حماس" من السلطة عملية صعبة، إلا أنها ليست بالصعوبة التي كانت عليها قبل شهر، قبل سقوط داعم "حماس" محمد مرسي رئيس جماعة "الإخوان المسلمين" الذي نُحّي من منصبه كرئيس مصر.يوضح حسين إيبش من فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين أن "حماس" باتت اليوم أكثر انقساماً وضعفاً وعزلةً من أي وقت مضى. وكتب إيبش أخيراً: "تنظر الحكومة المصرية الجديدة ومعظم الشعب المصري نظرة قاتمة إلى "حماس". يعتبرونها شريكاً في التمرد المحدود إنما البالغ الخطورة في سيناء، هذا التمرد الذي اشتدّ عقب الإطاحة بمرسي، ولا شك أن "حماس" والفلسطينيين الذين يعيشون في ظل حكمها السيئ دفعوا ثمناً باهظاً نتيجة الهجوم المضاد الذي شنه الجيش المصري للتصدي للمتمردين في سيناء. فقد أفادت القوات المصرية أنها قتلت نحو 35 مقاتلاً من "حماس" ودمّرت 850 نفق تهريب. نتيجة لذلك، اشتدّ نقص الوقود وغيره من المواد في غزة، وتفاقمت الأزمة المالية.أوضح جوناثان شانزر من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في أحد مقالاته الأخيرة في مجلة Foreign Policy أن مشاكل "حماس" المالية باتت حادة جداً. كتب: "اعتبر كثيرون سقوط حكومة الإخوان المسلمين في مصر في مطلع الشهر الحالي ضربة قوية لحماس وحكومة الأمر الواقع التي تديرها في قطاع غزة. لكن الضرر الحقيقي لحق بجيوب هذه الحركة الإسلامية، فعمليات الجيش المصري المتواصلة لتدمير الأنفاق تحت الأرض، التي ربطت مصر بقطاع غزة والتي لطالما شكلت شرياناً حيوياً لتهريب مبالغ كبير من المال، تقوّض وضع "حماس" المالي. أخبرني أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين البارزين أن من الممكن لتدني عائدات "حماس" بنحو 20% إلى 30% إضافية في ظل الوضع الراهن أن (يدمّر) هذه الحركة".يوضح شانزر أن ثمة خطوات محددة تستطيع الولايات المتحدة أخذها لتسريع انهيار "حماس". على سبيل المثال، يستطيع البيت الأبيض حضّ داعمي "حماس" الآخرين في تركيا وقطر على الحد من تمويلهم هذه الحركة. أما إذا أخفقت هذه الخطوة، فيستطيع الكونغرس "استخدام ورقة تسريع تسليم أنظمة الأسلحة المتقدمة التي يبدو هذان البلدان بأمس الحاجة إليها أو تأخيره، وذلك وفق مدى تعاونهما. تتوقع تركيا، مثلاً، تسلّم صواريخ "سايدويندر" ومروحيات "تشينوك". كذلك تودّ شراء طائرات من دون طيار من نوع "بريداتور" و"ريبر". أما قطر من جهتها، فتنتظر تسلّم أنظمة مضادة للطائرات الكبيرة تعمل بالأشعة ما تحت الحمراء LAIRCM، فضلاً عن 500 صاروخ موجّه من نوع جافلن". لا شك أن سقوط "حماس" لا يعني بالضرورة أن السلطة الفلسطينية ستبسط سيطرتها في الحال، لكننا لن نشهد أي تطورات ما دامت "حماس" في السلطة.في الشرق الأوسط اليوم قضايا أكثر أهمية من استئناف محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مثل الحرب الأهلية السورية، والاضطرابات في مصر، وسير إيران الحثيث نحو تطوير قدرات عسكرية نووية. ولكن إذا كان كيري يصر على المضي قدماً في المفاوضات، فعليه أن يحاول أولاً إيجاد الظروف التي تساهم في نجاحها. ولا شك أن التخلص من "حماس" إحدى أهم الوسائل لتحقيق هذه الغاية.
مقالات - Oped
أتريدون السلام؟ عليكم التخلص من «حماس»
31-07-2013