يبدو أن الحكومة الائتلافية البريطانية التي تجمع بين الديمقراطيين الليبراليين والمحافظين ستبدأ عام 2013 بمزاج مضطرب وستنهيه بوضع أقرب إلى الحرب الأهلية!

كان معظم الخلاف الحاصل بين المحافظين والديمقراطيين الليبراليين خلال عامي 2011 و2012 يتمحور حول نوعين من المسائل: الأمور التي لا تهمّ الناخبين كثيراً مثل إصلاح مجلس اللوردات، والأمور التي لا يفهمونها جيداً مثل نظام توفير الخدمات الصحية. لكن نجح الحزبان بشكل أساسي في التوافق على متابعة الخصام. في عام 2013، قد يبدأ الخلاف حول مسائل ستثير سخط الجميع حتماً.

Ad

ستكون أوروبا واحدة من تلك المسائل. مع اقتراب إنشاء اتحاد مصرفي أوروبي، ستضطر بريطانيا إلى الاختيار بين أمرين مريعين: فقدان القدرة على صياغة القواعد التي تُلزم مدينة لندن أو العجز عن الوصول إلى السوق الأوروبية للاستفادة من بعض الخدمات المالية. لا شك في أن هذا الأمر سيثير سخطاً عارماً في لندن ولن يتردد النواب المحافظون الذين يشككون بكيان أوروبا في اقتناص الفرصة. ستتعالى الأصوات التي تطالب بإعادة التفاوض حول مكانة بريطانيا في أوروبا وستصر على الخروج من الاتحاد الأوروبي في حال عدم تحقيق ذلك. ستؤكد استطلاعات الرأي على أن تلك الأطراف تحظى بدعم شعبي واسع وسيمهّد هذا الوضع لاحتدام الخلاف حتماً لأن بريطانيا لن تغادر الاتحاد الأوروبي. سيتأزم الوضع أيضاً بسبب موقف الديمقراطيين الليبراليين المؤيدين للكيان الأوروبي.

ستقدم الرعاية الاجتماعية عذراً جديداً لمتابعة المعركة. في عام 2013، ستعترف وزارة الخزانة بأن برنامج تخفيض العجز أصبح وراءها وستعلن عن تخفيضات أكثر صرامة في حجم الإنفاق العام. لم يكن التقييم متوقعاً قبل عام 2014، لكن سيتم تقديم موعده حتماً.

 قد يستمتع بعض السياسيين بحرمان المحتاجين من الخدمات. لكن سيكون استياء الديمقراطيين الليبراليين عارماً. سيطالبون بتوسيع التدابير الصارمة، مع فرض أعلى الضرائب على الأثرياء، ولكنهم سيحصلون حصراً على تنازلات رمزية.

على مستويات عدة، ستتراجع الثقة والنوايا الحسنة وستتبادل الأحزاب الاتهامات واللوم بسبب فشل جميع السياسات ووقوع الأحداث السلبية. ستكثر الاتهامات بالخيانة بين الأحزاب وداخل الأحزاب نفسها. سيجد قادة حزب المحافظين والحزب الديمقراطي الليبرالي صعوبة غير مسبوقة في السيطرة على النواب المستائين وغير الفاعلين في مجلس العموم. سيركزون بشكل متزايد على النصيحة التي تدعو إلى تصفية الأجواء في ما بينهم ومع شركائهم في الائتلاف، لكن مع الحرص على «فصل» حزبهم عن هذه المشاحنات استعداداً للانتخابات العامة في عام 2015.

سينهار الوضع من دون أن تنهار الحكومة الائتلافية!

أكثر ما يثير الدهشة هو أن الحكومة الائتلافية ستصمد رغم كل شيء ولن يحاول المحافظون الحكم وكأنهم حزب الأقلية. ولن تحصل أي خطوة من نوع التدابير التي يجتمع بموجبها الديمقراطيون الليبراليون مع المحافظين لأجل إقرار قواعد الميزانية وهزم الأصوات التي لا تعطي الثقة لقرارات الحكومة. لن يوافق الديمقراطيون الليبراليون طبعاً على ربط مصيرهم بمصير حزب العمال، لكن سيتابع النواب من كل حزب الاجتماع في ما بينهم على مضض سعياً إلى إيجاد نقاط مشتركة.

سيقومون بهذا الأمر لأن البريطانيين يريدون منهم ذلك. لن يصبح الناخبون أكثر دعماً للحكومة في عام 2013. لكن حتى لو تزعزع الاقتصاد، لن يرغبوا في انهيار الحكومة الائتلافية. ستكشف استطلاعات الرأي أن التفكك سيرتد عكسياً على الحزبين الرئيسين في البلد. مع تصاعد أصوات المحافظين اليمينيين والديمقراطيين الليبراليين اليساريين واشتداد غضبهم، ستزيد قناعة الناخبين «المتأرجحين» بأن الحكومة الائتلافية ضرورية لردع المتطرفين من الجانبين.

ستتذكر كبار الشخصيات الحزبية أمرين أساسيين. أولاً، أنجزت الحكومة الائتلافية بعض الأمور الإيجابية. بدأت المدارس تتخلّص سريعاً من إشراف السلطات المحلية، وبدأت التغييرات تصل إلى الرعاية الاجتماعية وسلك الشرطة. كذلك، أصبحت الأموال العامة تحت السيطرة مع أنها لا تزال شائبة. ستظهر منافع هذه الإصلاحات سريعاً ولكنها ستزيد أيضاً المشاكل التي تحتاج إلى حلول. يصعب تجاهل هذه العوامل كلها.

أما الأمر الثاني الذي سيتذكره القادة، فهو أن الفئات الغاضبة التي تثور ضد الحكومة لا تكره التسوية السياسية البراغماتية التي جمعت بين المحافظين والديمقراطيين الليبراليين، بل إنها تكره مبدأ التسوية نفسه. يريد هؤلاء الأشخاص التخلي عن الوسطية السياسية والعودة إلى الأفكار الإيديولوجية الصارمة. لا شك في أن استراتيجيتهم، بشكلها الراهن، لن تكسب دعم الناخبين. سترتفع حدة الأحداث في السنة المقبلة، لكن سيصمد المعسكر الوسطي رغم كل شيء.