تبقى الانتخابات مهما قيل فيها وما رافقها من شوائب هي أداة الديمقراطية المثلى. وتبقى الصناديق هي الفيصل في عملية المشاركة الشعبية في الحياة السياسية. لكن لابد قبيل ساعات من اختيار مجلس أمة جديد من وقفة تأمل وصراحة نتشارك فيها مع القراء والناخبين وسائر المواطنين.

وربما وجب علينا إبداء الأسف لاضطرارنا في الأيام الماضية، من خلال متابعتنا للحملة الانتخابية، إلى فضح المستور والتركيز على التجاوزات. لكنها واجباتنا الوطنية والمهنية هي التي دفعتنا إلى ذلك، وخشيتنا على الديمقراطية من تشويه صورتها وتيئيس الناس هي التي جعلتنا نجاهر بما حاولوا إخفاءه ونضيء على ما كانوا يحيكونه في الظلام عبر شراء الأصوات وصندوق تمويل الحملات.

Ad

وشهادة للحق، فإن ما قام به وزير الداخلية يستحق التقدير والثناء. فكل الكويت كانت تدري أن الحملات الانتخابية على مدى عمر المجالس لم تكن منزهة عن المخالفات وشابتها عيوب وضعت حيناً في إطار حداثة التجربة، وعزيت أحياناً إلى طبيعة "خلطة" النظام، بيد أننا لم نشهد يوماً هذا "الفجور" وهذه "المجاهرة" بل و"المفاخرة" بالاعتماد على شراء الذمم وسيلة للوصول إلى الكراسي الخضراء، أو الاتكال على "الدعم المليوني" لتأمين مقعد معقود الولاء لأصحاب الصندوق السحري.

وإننا إذ نتمنى ألا يدفع الوزير الحمود ثمن إقدامه ومواقفه، فإننا نرجو أن تكون جرأته في تطبيق القوانين سلوكاً ثابتاً للسلطة في مواجهة إفساد الانتخابات من أي جهة كانت، مثلما نأمل أن يرتدع عن هذه الممارسات مستقبلاً كل من يعتقد أنه بالتحايل والاستزلام يستطيع النجاح وإقصاء كل شاب أو سياسي أو طامح شريف يعتمد على برنامج وينوي خدمة الوطن والمواطن عبر التمثيل النيابي والتشريع.

ما قمنا به من فضح للممارسات الشائنة ليس عملاً فضائحياً ولا هو تشهير بقابضين أو بمرشحين بل هو تصويب على أصل الداء. فالراشون والمرتشون ضحايا صغار، في حين أن الممول والمغطي يبقيان عموماً آمنين خلف الكواليس وفي الغرف السوداء. ونحن أردنا أن يعلم الناس بأن المتورطين الذين لا ينكشفون لا يفسدون الانتخابات فحسب، بل يسيئون إلى العملية الديمقراطية التي يجب أن نحافظ عليها لأنها وحدها - بعد حماية الله وحفظه – هي التي تحصن الكويت واستقلالها.

نعلم أن ما قام به وزير الداخلية جهد كبير ومشكور لكنه لا يضبط سوى رأس جبل الجليد، وأكثر ما نخشاه أن يرمي ما حصل من شراء أصوات وتمويل مشبوه بظلاله على المجلس القادم وعلى الشارع وعلى الديمقراطية برمتها، فيشكك فيها الشباب الصاعدون، وتخيب آمال الطامحين المخلصين، وتُترك الساحة نهباً للأزلام والفاسدين، ويولد المجلس القادم مبطلاً أخلاقياً ولو كان محصناً دستورياً. ولئلا يحصل ذلك سنبقى مصرين على أداء دورنا الصحافي والوطني وكشف المتجاوزين والمخلين بالعملية الديمقراطية، مع تكرار الأسف الشديد.

نسلط الأضواء على الارتكابات والإنجازات، لأننا لا نريد لمن شارك في الانتخابات أن يدفع ثمن إيمانه بالعملية الديمقراطية، ولا نريد للمؤمن بالإصلاح أن يشعر بأن هناك سداً منيعاً من الفساد يقف بينه وبين تحقيق مبتغاه. ولا نقبل أن يتحول التدليس والانتهازية إلى نمط ثابت يوصل إلى مقاعد البرلمان الذي نخشى أن نفقد قيمته.

الجريدة