دونوا فصلاً جديداً في كتب الدبلوماسية، وخصصوه للملاحظات العفوية أو حتى الهفوات التي توقف حروباً.

لا نعلم بعد ما إذا كان تعليق جون كيري العفوي، على ما يبدو، في لندن، حيث أعلن أن سورية تستطيع تفادي ضربة عسكرية أميركية بتسليمها مخزونها من الأسلحة الكيماوية، قد أطلق مسيرة ستوقف في النهاية العمل الأميركي المسلح. لكن باراك أوباما وصف هذا الطرح "بالحل الممكن"، وبدا جلياً الارتياح الذي عمّ عواصم العالم المختلفة.

Ad

لا شك أن العقبات العملية المرتبطة بهذا الاقتراح كثيرة، فقد ادعى أحد التقارير أن التخلص من محزون الأسلحة الكيماوية الذي تملكه سورية قد يستغرق "سنوات"، لا أسابيع أو أشهرا. رغم ذلك، تستحق هذه المبادرة الأخيرة أن تؤخذ على محمل الجد لأنها تمنح كل اللاعبين الأساسيين ما يحتاجون إليه، والأهم من ذلك أنها تتيح للخصوم التراجع من دون خسارة ماء الوجه.

تبدو المكاسب واضحة بالنسبة إلى بشار الأسد، فإذا وافق على التخلص من أسلحته المحظورة، فسيتفادى النيران الأميركية التي كانت على وشك أن تُطلق عليه على الأرجح. صحيح أن كيري وعد يوم الاثنين الماضي أن أي هجوم سيُنفذ سيكون "بالغ الصغر"، إلا أن الأسد يفضل رغم ذلك تفادي الهجوم الأميركي برمته إذا أمكنه ذلك.

أما روسيا، التي سارع وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى استغلال تصريح كيري المتباهي وحوله إلى مبادرة، فستجني الفوائد بالتأكيد. أولاً، سيظهر فلاديمير بوتين بمظهر رجل الدولة العالمي الذي كف يد القوة الأميركية الجبارة. ثانياً، تملك روسيا أسبابها الخاصة التي تدفعها إلى السعي للتخلص من ترسانة سورية السامة. فلطالما قلقت موسكو من سقوط هذه الأسلحة بين أيدي المجاهدين المعارضين في حال انهار نظام الأسد. ولا شك أن إخراجها من سورية يحد من هذا الخطر، ويُقال إن طهران تدعم الخطة الروسية الأخيرة للأسباب عينها.

لكن الأهم من كل ذلك أن هذا الطرح يشكل طوق نجاة للرئيس الأميركي الذي بدأ يغرق، على ما يبدو، فقد أظهرت كل الإشارات من الكونغرس أن أوباما سيُهزم، في مجلس النواب على الأقل، وأن طلبه الموافقة على عمل عسكري سيُرفض. حتى لو أدرك أوباما هذا الواقع، لا يسعنا أن ننكر أنه كان دوماً متردداً في التدخل بالقوة في الحرب الأهلية السورية، ويعود تردده هذا إلى فهمه كل المخاطر التي لا ينفك خصومه يشيرون إليها.

لم يهدد أوباما باللجوء إلى ضربات عسكرية إلا لأنه لم يرَ أي مخرج آخر للتمسك بما أعلنه هو بنفسه قبل سنة (أن استعمال الأسلحة الكيماوية "خط أحمر") ولتطبيق "المعيار" التقليد المتبع للتصدي لأسلحة مماثلة (واستنادا إلى هذه الأسباب تعاطف البعض منّا معه). لكن الخطة الجديدة المطروحة تقدم له مخرجا آخر: إن تخلى الأسد عن أسلحته الكيماوية، فيستطيع أوباما في هذه الحال أن يؤكد الالتزام بخطه الأحمر وبالحظر الدولي.

وسط الشعور بالارتياح الذي عمّ، لا بد من التشديد على نقطتين رئيستين: أولاً، صحيح أن مَن يعارضون التدخل بشدة قد يأبون الإقرار بالواقع، غير أن هذا الحل (إذا تبين أنه كذلك) لم يصبح ممكناً إلا لأن الولايات المتحدة هددت باستخدام القوة، فمن الصعب الادعاء أن الأسد كان سيوافق على خطوة مماثلة في ظل ظروف مختلفة. كذلك لم تقترح روسيا أمراً مماثلاً إلا بعدما اقتنعت أن الصواريخ الأميركية متجهة نحو سورية، ولا شك أن هذا الواقع يستحق التوقف عنده، نظراً إلى كل المعارضة التي واجهها تهديد أوباما باللجوء إلى القوة في الداخل والخارج.

ثانياً، ما من سبب لتنتهي هذه المبادرة عند التخلص من الأسلحة الكيماوية، فإن نجحت الولايات المتحدة وروسيا في تنفيذ هذه الخطة، فلمَ لا تستطيعان العمل معا على ما يتعدى وقف القتل بالغازات السامة والتعاون للتوصل إلى حل بغية وقف كل أعمال القتل في سورية؟ وإذا كانت إيران قد انضمت، ولو سراً، إلى مجموعة الدول المتعاونة في هذا الشأن، فلمَ لا نشركها في المفاوضات السياسية الأوسع التي تشكل بالتأكيد الوسيلة الوحيدة لإنهاء هذا الصراع؟

إذن، من قلب هذه الأزمة المتفاقمة ولد الحل... وعلى كل الأطراف اليوم التمسك به وتطبيقه.

* اختير صحافي العام في جوائز What the Papers Say لعام 2002 ومُنح "جائزة ديفيد وات" للصحافة عام 2008. كذلك نشر سبعة كتب، من بينها خمسة تحت اسم "سام بورن" حققت أعلى المبيعات.