انتُخب فرانسوا هولاند بهدف «إعادة إحياء الحلم الفرنسي»، لكنه سيضطر الآن إلى إدارة كابوس اقتصادي مريع: نمو ضعيف، بطالة تطاول أكثر من ثلاثة ملايين شخص، إقفال المصانع، تراجع القدرة التنافسية، اضطراب وضع المالية العامة. لذا لا بد من طرح هذا السؤال على أول رئيس فرنسي اشتراكي منذ فرانسوا ميتيران: هل يستطيع التحول إلى نسخة فرنسية من جيرهارد شرودر بكل ما يتحلى به من شجاعة لإعادة ترميم القدرة التنافسية الفرنسية أم أنه سيتحول إلى نسخة يسارية من جاك شيراك الذي قدّم أداء خجولاً في الحكم؟

فشل هولاند في تحضير الناخبين للصدمة التي تنتظرهم. تعهد بعكس مسار خسارة الوظائف وإنهاء التقشف في أوروبا. لكن ستعمد شركة «بيجو سيتروين» إلى إقفال مصنع السيارات التابع لها بالقرب من باريس مثلما ستقفل شركة «أرسيلور ميتال» أفرانها في فلورانج.

Ad

نتيجةً لذلك، سيرتفع معدل البطالة. قد يتبين أن تقليص العجز هو أصعب من الوعود التي تم إطلاقها في هذا المجال. بعد تراجع النمو الاقتصادي إلى أقل من 0،8%، ستواجه الحكومة صعوبة في تحقيق هدف تخفيض عجز الميزانية إلى 3% في عام 2013 أو حتى إلى 2% بحلول عام 2014. كذلك ستُجبَر على فرض تدابير عاجلة لمعالجة الميزانية أو طلب وقت إضافي، الأمر الذي سيثير قلق برلين وبروكسل.

غضب شعبي

مع ارتفاع الضرائب إلى مستويات قياسية، سيتّضح أن وعد هولاند بأن يدفع الأثرياء الضرائب دون سواهم كان كلاماً فارغاً. صحيح أن الميسورين سيدفعون معدلاً ضريبياً يصل إلى 75% وسيواجهون زيادات ضريبية حادة على مداخيل الاستثمار، لكن ستتأثر الطبقات الوسطى أيضاً نتيجة الزيادات الضريبية الواسعة، ما سيؤجج الغضب الشعبي. كذلك، ستتعرض الشركات التي تعاني أصلاً انخفاض هوامش الربحية لضغوط قاسية. مقابل ضغوط المعسكر اليساري، ستُجبر الحكومة أيضاً على تخفيض حجم الإنفاق.

مع انتشار مشاعر الخيبة، ستتراجع شعبية هولاند وسيشعر الاشتراكيون بالذعر من خسارة مقاعدهم خلال الانتخابات البلدية لعام 2014. سيزداد ضعف رئيس الوزراء جان مارك أيرو حين يسمع انتقادات متلاحقة من النواب والناخبين. ستنشب خلافات مع «حزب الخضر» الذي يشارك في الحكومة بشكل غريب، فضلاً عن بدء هجوم عنيف من معسكر اليمين. أما مانويل فالس، وزير الداخلية الجريء الذي ينفذ خطة صارمة لمكافحة الجرائم في الضواحي التي تعج بالوافدين حول المدن الفرنسية، فهو سيُظهر نفسه بصورة البديل المحتمل لرئيس الوزراء. وقد يقوم وزير العمل وحليف هولاند المقرب، ميشال سابان، بالأمر نفسه على الأرجح.

سيكون الاستياء الشعبي أكبر تحدٍّ أمام تجديد القدرة التنافسية الفرنسية وتقويتها. خلال السنوات العشر السابقة، تفوقت ألمانيا على فرنسا وقد تراجعت فيها تكاليف العمل اليوم. كذلك، تصدّر هولندا (ربع شعبها من الفرنسيين) كميات أكثر مما تفعل فرنسا اليوم. لا شك في أن قواعد الإسراف الصارمة والرسوم المرتفعة على جدول الرواتب ستعيق توفير فرص عمل جديدة ونمو الشركات الصغيرة في فرنسا. لذا تلجأ الشركات إلى العقود القصيرة الأمد التي تحمل مجازفات كبرى للحفاظ على هامش من المرونة.

بدأ هولاند يدرك حقيقة المشكلة وهو يعد بتطبيق إصلاح يمتد على سنتين. أهم ما في الأمر هو تغيير طريقة تمويل المنافع الاجتماعية وتحويل الأعباء من جدول الرواتب إلى أشكال أخرى من الضرائب، فضلاً عن توسيع هامش المرونة في سوق العمل. لكن ستخجل الحكومة من التحدث عن «المرونة» خوفاً من أن تواجه حركة احتجاجية معادية للنزعة الليبرالية. إذا فشل رؤساء النقابات وممثلو أرباب العمل في التوافق على تخفيف حدة القواعد وتخفيض ضرائب الدخل، سيُصدر هولاند تشريعاته في جميع الأحوال في بداية عام 2013.

إصلاح جزئي

تتمثل أفضل نتيجة ممكنة بتسهيل القواعد ومساعدة الشركات على تخفيض ساعات العمل من دون تقليص عدد الوظائف. لكن من المتوقع أن يبدأ إصلاح جزئي لا يكون كافياً.

لا شك في أن هذه الجهود، إلى جانب شعور عام بتوسّع ظاهرة الفقر، ستزيد التوتر وتُشعل التظاهرات خلال سنةٍ ستشهد الذكرى الخامسة والأربعين للاضطرابات الشعبية في مايو 1968. ستكون هذه الاضطرابات كفيلة باختبار مدى صحة ادعاءات هولاند حين قال إنه سيكون رئيساً «عادياً» بما أن الفرنسيين سيحتاجون إلى قيادة خارقة لتجاوز الأوقات الصعبة. لكن ستصطدم محاولاته تقديم أداء عادي بالأمور المطلوبة من أي رئيس دولة وبالعلاقات المتوترة بين شريكته الراهنة فاليري تريرفيلير وشريكته السابقة سيغولين رويال، المرشحة الاشتراكية التي هُزمت خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2007 ولكنها تسعى الآن إلى أداء دور وطني.

في الخارج، ستحاول فرنسا إبقاء صوتها مسموعاً في ملفات إيران وسورية، لا سيما مالي حيث ستقدم دعماً لوجستياً (لكن ليس عسكرياً) لتعزيز الجهود الإفريقية الرامية إلى إعادة بسط السيطرة على الأراضي التي استولت عليها «القاعدة».

ستشهد هذه السنة أيضاً الذكرى الخمسين لمعاهدة الإليزيه التي تعزز الصداقة الفرنسية الألمانية. سيكثر الحديث عن قيمة هذه العلاقة في محاولةٍ لإخفاء ضعف فرنسا النسبي. لكنّ الأمر المؤكد هو أن آراء هولاند ستتصادم مع آراء ألمانيا في ما يخص منطقة اليورو. سيحث على ترسيخ تكامل صلب تزامناً مع مقاومة أي ضغوط ألمانية لفرض معاهدة جديدة. طوال السنة، ستكون شؤون أوروبا كفيلة بتقسيم حكومته وحزبه... وبلده كله!