منذ أكثر من سنة، وصفت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، هيلاري كلينتون، نظام الأسد بأنه "رجل ميت يسير". كذلك عبّر الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطاب "حالة الاتحاد"، الذي ألقاه عام 2012، عن ثقته بأن "نظام الأسد سيكتشف قريباً أن قوى التغيير لا يمكن مقاومتها".

في المقابل، لم تحظَ سورية بالاهتمام الكبير في خطاب أوباما هذه السنة. فقد اكتفى بالتعهد "بمواصلة الضغط على النظام السوري... ودعم قادة المعارضة الذين يحترمون حقوق كل سوري".

Ad

من الواضح أن الثوار لا يستطيعون الفوز في الحرب مع معدل الدعم الراهن الذي تقدّمه لهم القوى الخارجية. علاوة على ذلك، تذكر بعض التقارير أن أوباما رفض اقتراحات من أعضاء إدارته بشأن تسليح الثوار. كذلك عزز تنديد الاتحاد الأوروبي الأخير بجهود المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا لرفع الحظر عن تسليح الثوار تردد الغرب في الاستثمار في انتصار الثوار العسكري.

وكشف وزير الخارجية الجديد جون كيري أخيراً المنطق السياسي الكامن وراء قرارات مماثلة، فقال إن هدفه في سورية "التوصل إلى نتيجة من خلال التفاوض والحد من أعمال العنف". وأقر كيري أن تحقيق هذا الهدف بالغ الصعوبة، إلا أنه أصر على أن من الأفضل "للشعب السوري، والمنطقة، والعالم ككل بذل الجهود لاختبار الوسائل كافة بهدف التوصل إلى نتيجة من خلال المفاوضات".

علاوة على ذلك، حذّر كيري من أن السعي وراء حل عسكري قد يؤدي إلى "انهيار" الدولة السورية، ما قد يكون له تداعيات إقليمية كبرى.

بعد مرور سنتين على الثورة، لاتزال الحرب الأهلية السورية تعاني جموداً استراتيجياً، رغم تحدّث بعض التقارير عن تجدد هجوم الثوار. يُظهر تراجع النظام البطيء، وإنما المتواصل، في معظم أجزاء الريف أن الثورة أضحت واقعاً عسكرياً - سياسياً لا يمكن عكسه. إلا أن إخفاقها في السيطرة على مركز سكاني كبير واحد على الأقل يكشف أن قوات النظام المجهَّزة بشكل أفضل لم تفقد قدرتها أو استعدادها للقتال.

تريد القوى الغربية رحيل الأسد، غير أنها لا ترغب في أن يُستبدَل بمن يقودون الثورة المسلحة راهناً، خصوصاً أن كثيرين منهم يعادون مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. لكن الكثير من المكاسب التكتيكية الأهم التي حققها الثوار تعود إلى مجاهدين أمثال "جبهة النصرة"، جماعة تُصنّفها الولايات المتحدة "منظمة إرهابية دولية" تابعة لتنظيم "القاعدة".

ولكن حتى أحمد معاذ الخطيب، زعيم الائتلاف الوطني السوري الذي يدعمه الغرب، يرفض هذا التصنيف، ويشدد على أن عمل هذه الجبهة "ضروري لتحقيق الانتصار" على الأسد.

بما أن نفوذ ائتلاف الخطيب السياسي لا يبدو واضحاً على الأرض، لا تسارع الولايات المتحدة إلى تحقيق النصر العسكري الذي يتحدث عنه. فقد أقرت إدارة أوباما أن العوامل، التي تبقي النظام صامداً (لم تنهر القوى الأمنية لأن معظم العلويين والأقليات الأساسية الأخرى تعتبر الثورة تهديداً مميتاً لها)، لن تشهد على الأرجح أي تبدل في المستقبل القريب.

حتى لو انهار النظام في دمشق، فمن المستبعد أن ينهي ذلك الحرب الأهلية التي تهدد بقاء الدولة السورية.

ونظراً إلى أطر الصراع العامة، من المستبعد أن يؤدي مدّ الثوار بمزيد من السلاح إلى وقف القتال. يحذر كثيرون في واشنطن من أن استمرار الحرب الأهلية سيبقي سورية على الدرب نحو التحول إلى دولة فاشلة، فضلاً عن أنه قد يؤدي إلى حرب أوسع تجذب كل اللاعبين الأساسيين في المنطقة. ولا شك في أن هذا سيناريو مأساوي يحاول أوباما جاهداً تفاديه، رغم الضغوط التي يتعرض لها من النقاد في الولايات المتحدة "للتحرك" والتصدي لعمليات القتل المتواصلة في سورية.

وتفاقمت الكارثة السورية منذ البداية بسبب مدى ارتباط هذا الصراع بالخصومات الاستراتيجية العالمية، وخصوصاً الصراع بين إيران وألدّ أعدائها العرب. فمن الممكن تنفيذ بعض هذه الأجندات الاستراتيجية من دون تسديد ضربة قاضية إلى النظام: يمكن إضعاف حلفاء النظام السوري وتشتيتهم خلال الحرب بالوكالة، حتى لو لم تكن نتيجتها حاسمة. كذلك يدّعي مسؤولون أميركيون أن إيران دربت الميليشيات العلوية ونظمتها لتضمن ألا يتمكن خصومها من حكم البلد حتى لو لم ينجح نظام الأسد في الدفاع عن دمشق.

ورغم كثرة الإشارات إلى تنامي الضغط الدولي على الطرفين للتحاور، لا يبدو التوصل إلى اتفاق تسوية وشيكاً. فقد رفض نظام الأسد لقاء مع الائتلاف الوطني السوري رعته روسيا ودعمه الغرب. كذلك اعتبر الائتلاف المطالبة بخروج الأسد أحد شروط الحوار.

وحاز قائد الائتلاف الخطيب على ثناء الولايات المتحدة عندما اقترح في مؤتمر أمني في ميونيخ قبل بضعة أسابيع أنه مستعد للتفاوض مع ممثلي النظام شرط أن يحرر المساجين السياسيين، إلا أن هذا العرض يرفضه ائتلافه بالكامل. كما عرض وزير سوري قبل أيام الاجتماع بقائد الائتلاف في مدينة أجنبية، إلا أن هذا الطرح سُحب في الحال.

صحيح أن الثوار يحققون مكاسب تكتيكية على الأرض (إسقاط اثنتين من طائرات النظام الحربية، السيطرة على إحدى بلدات النفط وعلى سد الفرات، الذي يولّد الطاقة الكهرومائية في الشمال الشرقي، وعلى قاعدة جوية في الشمال، فضلاً عن إطلاق هجوم جديد في ضواحي دمشق)، لكننا لا نرى أي تبدل كبير ووشيك في الميزان الاستراتيجي.

يبدو أن ردّ النظام والمعارضة كليهما على جهود التفاوض المتواصلة يرتكز على اعتقاد كل منهما أنه يستطيع الفوز في الحرب، رغم كثرة الإشارة إلى أن داعمي كلا الطرفين بدأوا يقرون أن أياً منهما لن يتمكن من إنزال الهزيمة بالآخر.

إذاً، ينبع تردد إدارة أوباما الحالي من إقرار بأن النظام والثوار غير قادرين على تدمير أحدهما للآخر، لكنهما قادران معاً على تدمير سورية، هذا إن لم يقوما بذلك بعد.