بعد أشهر من الهدوء النسبي عاد مرة أخرى شبح أزمة الديون الأوروبية يخيف المستثمرين ويهوي بالأسواق المالية، بينما يقول الخبراء إن تصويت البرلمان القبرصي على خطة الإنقاذ الأوروبية لن يغير الضرر الناتج عن الأحداث الأخيرة.

وبينما حث رئيس الجمهورية البرلمان على قبول خطة الإنقاذ منعاً لإفلاس الدولة، لكنه في نفس الوقت شدد على أهمية الحوار الوطني، أما رئيس الحزب الديمقراطي، أحد أعضاء الائتلاف الحاكم، فقال إن الأوضاع في قبرص استثنائية، لكنها تمثل سابقة خطيرة لدول أوروبية أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا.

Ad

وأضاف: "ما حدث في قبرص حالة استثنائية، لذا يجب أن يفهم الجميع أن ما يحاولون فرضه على قبرص لن يكون محصورا على قبرص وحدها، بل قد يمدد لدول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا، وأعتقد أن الحل أن يقوم الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في قراراتهم".

وذكر رئيس قسم تحليل الاسواق في Apari UK جايمز هيوز: "أعتقد أن الضرر من الأحداث في قبرص ضرب الأسواق، وأزمة الديون الأوروبية مستمرة لفترة طويلة، كلما سمعنا عن تطورات جديدة أو خطة إنقاذ شهدنا حالة فزع في البداية، وهذا ما نشهده الآن، لكن يجب الانتظار حتى يتم التصويت".

وأضاف هيوز: "أعتقد أنه في كلا الحالتين هناك مشاكل؛ التصويت بنعم يحمل مشاكل، والتصويت بلا يحمل مشاكل، لذا من الصعب معرفة إلى أين تنتهي الأحداث".

وانتقدت موسكو خطة الإنقاذ لما قد يترتب عليها من خسائر للمستثمرين الروس الذين يستحوذون على غالبية الودائع المملوكة لغير المقيمين.

من جانبه، أعرب الاتحاد الأوروبي عن استعداده لقبول تغيرات في تفاصيل ضريبة الودائع، بما يقلل العبء على صغار المستثمرين، طالما حصلت على المبلغ المستهدف وهو 5.8 مليارات يورو، أما بريطانيا فقد تعهدت بتعويض أصحاب الحسابات القبرصية من موظفين حكوميين وعناصر القوات المسلحة البريطانية المقيمين في قبرص.

وبغض النظر عن نتيجة التصويت في البرلمان القبرصي حول الضريبة المقترحة على الودائع، فإن الاحداث في قبرص هزت ثقة المستثمرين باقتصاد منطقة اليورو من جديد، ويتوقع المتداولون المزيد من التقلبات في الأسواق العالمية.

من ناحية اخرى، قال مسؤولو البنك الاوروبي ان السلطات القبرصية تستطيع تعديل شروط خطة الانقاذ المالي التي قدمها الاتحاد الاوروبي في وقت سابق.

تصريحات مسؤولي البنك المركزي الاوروبي أكدها مسؤولون المان بعد حالة الغضب بين المواطنين القبارصة فور اعلان فرض ضريبة على الحسابات المصرفية في قبرص.

وتزايدت الانتقادات الشعبية منذ الاعلان أن مجموعة اليورو ستفرض ضريبة استثنائية تصل الى 9.9 في المئة على جميع الودائع المصرفية في قبرص مقابل حصول البلاد على قرض بقيمة 10 مليارات يورو لانقاذها من الافلاس.

من جانبها، قالت وكالة موديز العالمية للتصنيف الائتمانى، إن الضريبة غير المتكررة على الودائع المصرفية في قبرص ستكون لها عواقب سلبية بالنسبة للمودعين والدائنين.

وأشارت "موديز" إلى تزايد مخاطر هروب رأس المال من دول أخرى تتعرض لأزمة اليورو.

الودائع المصرفية

وقالت الوكالة، إن تأثير العدوى سيكون محدودا فى سوق السندات، معلنة أنه تم تفادى خطر إجراء عملية إعادة هيكلة للديون، مثلما حدث في اليونان، حيث أجبر حاملو السندات على التنازل عن جزء كبير من رأسمالهم.

على الجانب الاخر يعقد وزراء المالية في منطقة اليورو مؤتمرا عبر الهاتف لمناقشة الوضع المالي في قبرص حيث يتوقع ان يبت البرلمان القبرصي في مصير خطة الانقاذ التي تتضمن ضريبة استثنائية مثيرة للجدل على الودائع المصرفية.

وكانت منطقة اليورو قد توصلت مع صندوق النقد الدولي السبت الى اتفاق على خطة انقاذ للجزيرة بقيمة 10 مليارات يورو على ان تفرض السلطات القبرصية ضريبة على الودائع المصرفية يفترض ان تدر نحو ستة مليارات يورو.

وتتراوح نسبة هذه الضريبة بين 6 و10 في المئة على الودائع البنكية الامر الذي ادى الى تهافت القبارصة على البنوك لسحب اموالهم.

مصادرة مودعين أجانب

ويتوقع ان يخسر مودعون اجانب مثل الروس والبريطانيين الكثير من الاموال بسبب هذه الضريبة. وبحسب دايلي ميل فان الارصدة البريطانية تمثل نحو 7 مليارات من بين 67 مليار يورو هي اجمالي السيولة المالية المودعة في المصارف القبرصية كما تشير ادنى التقديرات بالنسبة للارصدة الروسية الى نحو 15 مليار يورو.

ودانت موسكو فرض الضريبة معتبرة أنه نوع من انواع مصادرة الاموال حيث قال ديميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي "بالنسبة لامكانية فرض ضريبة في قبرص على الودائع المالية فان الرئيس بوتين يقول انه اذا اقر هذا القرار فانه سيكون غير عادل وغير احترافي وشديد الخطورة".

في هذه الاثناء، افاد مصدر في البنك المركزي القبرصي ان المصارف القبرصية لن تفتح ابوابها قبل الخميس المقبل لتفادي عمليات سحب ضخمة تحدث هزة في اسواق المال.

وجاء القرار عشية جلسة حاسمة للبرلمان الذي ارجأ لمرتين التصويت على خطة الانقاذ الاوروبية.

خسائر فادحة

على الجانب الاقتصادي، قال خبراء ان الضريبة على الودائع المصرفية يمكن ان تشكل ضربة قاضية للقطاع المصرفي في قبرص والذي يعتمد على ثقة اصحاب الحسابات.

ويقول خبير الاقتصاد سميون ماتسي ان "خطة الانقاذ وجهت ضربة قاسية لقبرص وضربة قاضية للقطاع المصرفي في الجزيرة".

واضاف ان "القطاع المصرفي يقوم على الثقة وفي حال انعدام الثقة لن يكون هناك قطاع مصرفي ولن يثق احد في قبرص بعد اليوم مهما حصل" موضحا ان "سمعة" الجزيرة تضررت نهائيا.

واكد ماتسي ان المودعين الروس يريدون سحب ودائعهم مشيرا الى اجراءات اتخذها محامون لسحب مليارات فور استئناف التحويلات المصرفية.

وقال حاكم البنك المركزي القبرصي بانيكوس ديميترياديس: "أقترح ان نعيد حساباتنا وفي حال لم نفعل ذلك لن نتمكن من استعادة ثقة المودعين لاننا اخللنا بالعقد المبرم معهم".

ويرى خبير الاقتصاد القبرصي كوستاس ابوستوليديس انه سيكون للضريبة على الودائع المصرفية والتي لم تطبق في اي بلد اخر يواجه صعوبات مالية في منطقة اليورو آثارا على الاقتصاد العالمي برمته.

وقال ان "الاسهم تراجعت في الاسواق الآسيوية واذا حصل ذلك في اوروبا ايضا سيثبت ذلك ان ما حصل في قبرص ينطوي على انعكاسات والعالم اجمع يدفع ثمنا اعلى من اتفاق مجموعة اليورو حول خطة انقاذ الجزيرة".

واضاف ان الحكومة القبرصية توجهت للتفاوض "من دون اي تحضير وكان علينا الا ننجر وراء خداع اوروبا".

ورأى ان "قبرص لن تتمكن من الخروج من فترة الانكماش خلال العقدين المقبلين وسيدفع اولادنا ثمن هذه الاخطاء".

وعلى صعيد التداعيات، قالت بورصة قبرص انها ستعلق التداول يومي الثلاثاء والأربعاء في حين ظلت البنوك مغلقة انتظارا لفرض ضريبة على الودائع مقابل خطة انقاذ دولية.

حماية المستثمرين

وقالت البورصة في بيان إن القرار اتخذ لضمان سلاسة عمل البورصة وحماية المستثمرين.

في المقابل، تراجعت الأسهم الأميركية خلال تعاملات الاثنين بشكل حاد مع الافتتاح لكنها قلصت خسائرها لاحقا ليقفل مؤشر الداو جونز الصناعى منخفضاً بـ62 نقطة، وهبط مؤشر النازداك إلى 3237 (- 11 نقاط)، وانخفض مؤشر الـSandP الأوسع نطاقاً والذي يتكون من 500 شركة كبيرة ليقفل عند 1552 (- 8 نقاط).

وشهد أداء المؤشرات الرئيسية في أوروبا تراجعاً خلال تعاملات الاثنين، وانخفض الفوتسي البريطاني إلى مستوى 6458 (- 32 نقطة)، وتراجع مؤشر "داكس" الألمانى إلى 8011 (- 32 نقطة)، كما هبط مؤشر "كاك" الفرنسى إلى 3825 (- 19 نقطة).

وانخفض خام "برنت" القياسي عند مستوى 109.51 دولارات للبرميل، فيما أقفل خام ويست تكساس ببورصة نايمكس عند 93.74 دولارا للبرميل.

(العربية. نت، بي بي سي)