بينما يلف العنف السياسي الشرق الأوسط، يغرق البيت الأبيض على ما يبدو في السلبية والضياع، فهل تدفع التقارير الأخيرة عن الهجوم الفظيع بالأسلحة الكيماوية على المدنيين السوريين الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى التخلي عن سلبيته أم أنها ستتحول إلى حلقة مريعة أخرى في مسلسل الرعب الذي لا ينتهي في هذه المنطقة؟تدّعي المعارضة السورية أن قوات موالية للحاكم السوري المستبد بشار الأسد استخدمت أسلحة كيماوية لقتل أكثر من ألف مدني في منطقة الغوطة في دمشق، وما عزز هذه التقارير لقطات مصورة مريعة لأشخاص يحاولون التنفس وصور لعشرات الجثث التي لا تحمل أي علامات جسدية على تعرضها لإصابة، وإذا ثبت استخدام الأسد الغازات السامة في هذا الهجوم، فسيضعه هذا في الخانة ذاتها مع صدام حسين، الذي استعمل المواد الكيماوية ليقضي على 5 آلاف كردي في مدينة حلبجة عام 1988. تتزامن هذه المجزرة المزعومة مع وصول فريق الأمم المتحدة، المكلف بالتحقيق في تقارير تدعي أن الأسد شن اعتداءات كيماوية ضيقة النطاق ضد خصومه خلال فصل الربيع الماضي، إلى سورية. ويشير هذا التوقيت إلى مدى استخفاف الأسد بانتهاكه "الخط الأحمر" الذي رسمه الرئيس أوباما بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية، أو لعل هذا تحذير مبطن مما هو مستعد للقيام به في حال تدخلت القوات الغربية في سورية.يُعتبر إصرار الإدارة الأميركية على الابتعاد عن هذه الأزمة إخفاقاً استراتيجياً وأخلاقياً، مع أنه يحظى بتأييد عدد من أنصار "الواقعية" في مجال السياسة الخارجية، فما بدأ كانتفاضة مدنية تحول إلى ما هو أسوأ بكثير: حرب شاملة بالوكالة تعمق الانقسامات الطائفية في المنطقة. فبينما تقاتل إيران و"حزب الله" الشيعيان لإنقاذ حليفهما الأسد، يتقاطر المجاهدون السنة (يحمل بعضهم راية تنظيم "القاعدة") إلى سورية. ولا شك أن هذا يسهل على الأسد الظهور بمظهر حامي الأقليات العلوية والمسيحية والحصن المنيع ضد الإرهابيين السلفيين أنفسهم الذين يقضون مضجع وكالات الاستخبارات الأميركية.لكننا لا نستطيع بالتأكيد أن نطبق على هذه المسألة مبدأ "عدو عدوي صديقي"، فلا مصلحة للولايات المتحدة ببقاء حاكم مستبد قاتل ومجرم حرب مثل الأسد في السلطة، حتى إن أتاح سقوطه الفرصة أمام المتطرفين السنة للسيطرة على سورية، ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن الولايات المتحدة لا تبرع (لحسن الحظ) بهذا النوع من حسابات الواقعية السياسية الباردة، التي تؤيد الوقوف جانبا بينما يستنزف الأسد وإيران و"حزب الله" والمتطرفون السنة قوى بعضهم بعضا في سورية.تكمن مشكلة هذه المقاربة في الأضرار الجانبية التي تخلفها، أي كل أولئك المدنيين السوريين الذين يسقطون خلال تبادل النيران. فقد حصدت هذه الحرب حتى اليوم حياة أكثر من مئة ألف منهم، ولا تبدو النهاية قريبة. إذ دعت الولايات المتحدة قبل أيام إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكن روسيا عرقلت هذه الجهود، مدعية أن الثوار السوريين هم مَن شنوا الاعتداء في محاولة "استفزاز" متعمدة، ولكن متى يتحرك المجتمع الدولي ليوقف عمليات القتل الجماعي، حتى لو عنى ذلك تجاهل اعتراضات فلاديمير بوتين بشأن "التدخل الأجنبي" في سورية؟ هل ماتت فكرة الأمن الجماعي هذه؟أعلن الرئيس أوباما قبل سنة أن استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية سيرغمه على "تبديل حساباته" بشأن تدخل الولايات المتحدة في سورية، ولا شك أن الوقت قد حان ليستعمل الرئيس الأميركي آلته الحاسبة. تستوجب المصالح الأميركية تسريع رحيل الأسد، ما يمنح السوريين على الأقل فرصة لتشكيل حكومة مقبولة، ويسدد في الوقت عينه ضربة كبيرة لخطط إيران الرامية إلى السيطرة على المنطقة، ولا داعي لإنزال الجنود الأميركيين إلى ساحة القتال. ولكن من الضروري تكثيف جهود الغرب لتبديل ميزان القوى العسكرية لمصلحة الثوار، وبعد رحيل الأسد، علينا تعديل سياساتنا بهدف مساعدة القوى المعتدلة في المقاومة السورية على منع المتطرفين من السيطرة على الحكم، ولا شك أن هذا المسار مليء أيضاً بالحفر، لكنه يشمل على الأقل محاولة لوقف القتل تتلاءم مع القيم الإنسانية والمصالح الأميركية في آن واحد.كما في سورية، اتخذ الربيع العربي في مصر منحنى كارثياً، ولعل الوجه الوحيد الواضح في رد فعل أوباما تجاه التطورات الأخيرة رغبته في عدم توريط الولايات المتحدة في الفوضى السياسية والعنف المتفشيين في المنطقة. ويُعتبر هذا الموقف مبرراً نظراً إلى تداعيات تدخلنا في أفغانستان والعراق، إلا أنه لا يُعتبر سياسة.بالنسبة إلى واشنطن، بدأت كلفة عدم التدخل ومخاطره تتفاقم. لا شك أن الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أصاب حين كتب أخيراً أن من الصعب التمييز بين الصديق والعدو في سورية، وأن القوى المعتدلة تبدو ضعيفة، مقارنة بالمجاهدين. ولكن من الصعب أيضاً تحديد الأصدقاء أيضاً في مصر وليبيا وتونس، ويجب ألا يجد قادتنا صعوبة في توضيح ما تواجهه الولايات المتحدة من مخاطر في هذه الصراعات، فلن تلقى أي سياسة أميركية تجاه الشرق الأوسط النجاح، ما لم نحسم رأينا أولاً.
مقالات - Oped
هل بلغت الحرب ذروتها في سورية؟
28-08-2013