لكل راقصة شرقية ألف حكاية وحكاية تلهمنا للكتابة، وتشكّل حياتها الشقيَّة مصدراً لتدوين كثير من الأفكار بمتعة. في كل مرة نقرأ عن راقصة جديدة، نكتشف عوالم في حياة الراقصات وفي الرقص نفسه، كأن الراقصات أميرات الزمن غير المتوَّجات، بل كأنهن في وجه آخر ضحايا الزمن لأنهن صنعن الحياة من خلال هز البطن.

Ad

بمبة كشر راقصة من سلسلة الراقصات ذائعات الصيت. يوحي اسمها أنه اسم طبخة شعبية، خصوصاً أن «كشر» قريب من «كشري». ولكن بمبة كانت شأناً آخر، شغلت الكثيرين وباتت في دائرة الأساطير. مثلت عنها ناديا الجندي فيلماً وكُتبت عنها مسرحيات، فيما بقيت المعلومات عنها في الكتب والمدونات قليلة، مثلها كمثل كثير من المشاهير العرب الذين شغلوا العامة والخاصة لسنوات طويلة، لكن حياتهم بقيت في دائرة الأساطير الشفهية.

في هذا الإطار، يُحكى أن المصرية بمبة كشر تربعت على عرش الرقص الشرقي أكثر من نصف قرن، تحديداً في العشرين عاماً الأخيرة من القرن التاسع عشر والعشرين عاماً الأولى في القرن العشرين. وهي ولدت عام 1860 وسط أسرة من أشهر العائلات في مصر، فجدها لأبيها هو السلطان مصطفي كشر أحد أعيان مصر في القرن الثامن عشر، ووالدها الشيخ أحمد مصطفى، أحد قارئي القرآن في مصر، ولذا تعدّ الراقصة المصرية الوحيدة التي خرجت من كنف أسرة غنية. ومن المفارقات أن فتحية أحمد (مطربة القطرين) هي ابنة شقيقتها نبوية.

نشأت بمبة على حب الفن منذ صغرها وكانت قريبة جداً من والدها، حتى رحيله عام 1874. تزوجت والدتها بعد ذلك من الشيخ إسماعيل شاه، القارئ الخاص للخديوي توفيق. لم ترض بمبة على الزواج فقاطعت وأشقاؤها الأم واستقروا بعيداً عن منزلها وقريباً من حي الحسين، حيث سكنت في المنزل المجاور أشهر عالمة تركية عرفتها مصر في القرن التاسع عشر «سلم»، وكانت معروفة في قصور مصر. اقتربت بمبة من سلم وعملت معها في تقديم الموشحات المصرية، وانطلقت شهرتها في مصر. لاحقاً انفصلت عنها وهي دون العشرين من عمرها وأنشأت فرقة خاصة بها سرعان ما أصبحت منافسة شرسة لشفيقة القبطية وتجاوزتها وأصبحت أشهر «عوالم» مصر.

بدأت بمبة حياتها الفنية في سن مبكرة وهي ابنة 13 عاماً بطموح لم يتوقف منذ طفولتها وحتى وفاتها. في بداية حياتها الفنية، كانت تذهب لإحياء حفلاتها في الأفراح راكبةً على ظهر حمار يقوده شخص تستأجره بنصف ريعها من الحفلة البالغ خمسة قروش فقط، فكان يصطحبها على حماره مرافقاً لها. وكي توفر هذا الأجر الزهيد ثمن أول قرط ذهبي تشتريه، كان لا بد من صفقة زواج مع هذا الرجل الذي تزوجته وكان زواجها الأول ضمن زيجاتها السبع التي تعددت في ما بعد.

تنوعت زيجات هذه الفنانة وتدرجت من صاحب الحمار إلى فنان معروف إلى عازف في الفرقة التي تعمل معها، ثم طبيب أحبته ومن بعده وجهاء القاهرة وأعيانها الذين تنافسوا على قلبها بتقديم العطايا والهبات كزوجها الذي قدم لها مهراً كبيراً وأراضي بلغت مساحتها ستين فداناً.  

كانت بمبة تعتز بنفسها إلى درجة أنها كانت تسير وسط حراسة خاصة وكانت ثاني فنانة بعد شفيقة القبطية تركب الحنطور وأمامها مجموعة من الرجال يفسحون الطريق، وقد ابتاع لها الحنطور خامس أزواجها من أوروبا وكتب عليه الحروف الأولى من اسمها باللغة الإنكليزية بالذهب الخالص.

ترى لو بقيت بمبة حتى الآن، ماذا كانت ستشتري طائرة خاصة أم يختاً أم فيراري أو لمبرغيني...؟؟؟