التقرير الأخير حول «آفاق الاقتصاد العالمي» من صندوق النقد الدولي علامة على مخاوف أن يصبح العالم منكمشاً فوق الحد؛ وأن السياسة النقدية والمالية باتت صارمة جداً؛ ونتج عن ذلك انخفاض الاستهلاك، والبطالة العالية بشكل لا داعي له، وكل ذلك لمكافحة تهديد التضخم المبالغ فيه بشكل كبير. مضى زمن كان فيه صندوق النقد الدولي مثالاً لرد الفعل الاقتصادي. كان الصندوق يخبر الحكومات باستمرار بضرورة تشديد ميزانياتها؛ فغالباً ما اعتُبِرت السياسة النقدية مكافحة للتضخم بشكل غير كافٍ، وبالقدر الذي تجرأ فيه الصندوق، كان أحياناً يعِظ النقابيين حول ضرورة الاعتدال في الأجور. انظر كيف تغيرت الأمور. التقرير الأخير حول «آفاق الاقتصاد العالمي» من صندوق النقد الدولي علامة على مخاوف أن يصبح العالم منكمشاً فوق الحد؛ وأن السياسة النقدية والمالية باتت صارمة جداً؛ ونتج عن ذلك انخفاض الاستهلاك، والبطالة العالية بشكل لا داعي له، وكل ذلك لمكافحة تهديد التضخم المبالغ فيه بشكل كبير. ولكن بسبب أن الحكومات الـ190 أو أكثر التي تشكل العضوية بالكاد تتفق في ما بينها -ناهيك مع بعضها- على الرسالة أن تكون مموهة بلغة الصندوق. إنه مثل أب كان صارماً جداً في ما سبق، ويطلب من أولاده المراهقين أن يمرحوا قليلاً الآن، وأن يمضوا المزيد من الليالي في البلدة. أفضل طريقة للنظر للتوقعات هي بفحص جداول التوقعات الملخصة أولاً، ومن ثم استعراض النص. ليس السبب في هذا هو أن الجداول لها أية جدارة علمية، وإنما السبب هو أن من الصعب على أعضاء مجلس الصندوق المعينين لأسباب سياسية، التدخل فيها بدلاً من التدخل في النص. وعلاوة على ذلك، لا يتيسر تفسير النص بسبب العدد الكبير من المقدمات، التي تشتمل على مقدمة للاقتصادي أوليفييه بلانشار، وموجز تنفيذي، ومقدمة بخط مائل لـ»الآفاق والسياسات العالمية»؛ ووجهات نظر البلدان والأقاليم؛ وفصل أكثر تحليلاً عن الآثار غير المباشرة والصدمات؛ وفصل أخير بعنوان جريء: «الجانب الصيني في إدارة تدفق رأس المال». تشير جداول التوقعات إلى أن نمو الناتج العالمي ارتفع من 2.7 في المئة في العام الماضي إلى 3.1 في المئة هذا العام و3.6 في المئة في عام 2014. من المتوقع للاقتصادات المتقدمة، التي من المفترض أنها إن لم تكن من القادة على أن تكون قدوة، على الأقل أن تتعافى من إصابة بفقر الدم لنمو قدره 0.9 في المئة في عام 2012، ليصل إلى 1.8 في المئة في عام، 2013 و2.1 في المئة في عام 2014. وهذا يخفي مشهداً محزناً في منطقة اليورو لآفاق نمو يقارب الصفر خلال الفترة ما بين 2012 و2014. قد يرتاح القُرّاء البريطانيون عند اكتشاف أن نمو المملكة المتحدة قد ارتفع من صفر في العام الماضي، لمعدل نحو 2 في المئة في السنتين 2013 و2014. يتوقع من التضخم العالمي أن يبقى منخفضاً ويتغير ويرتفع ببطء ليصل نسبة 2 في المئة في الاقتصادات المتقدمة. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار النفط والسلع بصورة يسيرة جدا، حسب تقويمها بالدولار. يمكن وصف التوقعات بأنها جيدة ولكن ليست ممتازة مقارنة بالعقود السريعة في ما بعد الحرب العالمية الثانية. أنا لا أعمل في مجال التوقعات، ولكني أرى، على الأقل من وجهة نظري، أن تقديرات صندوق النقد الدولي مرجحة أكثر. هناك قسم في التقرير بعنوان «المخاطر السلبية لاتزال قائمة تسترعي بعض الانتباه. يعتبر التقرير أن المخاطر قصيرة المدى هي ما يلي: «راجع» في منطقة اليورو؛ والوضع المعقد لميزانية الولايات المتحدة؛ والسياسات المالية المتشددة في الولايات المتحدة والأسواق الناشئة؛ والوقف المفاجئ لتدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة؛ وارتفاع في أسعار النفط لن يكون قصير الأمد». تعتبر «المخاطر متوسطة المدى» امتداداً للمخاطر قصيرة المدى إلى حد ما، ولكنها تتضمن أيضاً تحولاً «أكثر تعقيداً مما هو متوقع» في الصين نحو نمو قائم على الاستهلاك؛ وفشل محرك الإنعاش الياباني؛ والأوضاع المالية الأميركية «المتشددة بشكل مفرط». قد يكون عدد الوظائف المهدرة مقارنة بتقديرات صندوق النقد الدولي الأساسية 20 مليوناً، و»تبقى عالية عدة سنوات» في محيط منطقة اليورو. معدلات النمو المنخفضة «في نهاية المطاف تثير أسئلة حول قوة الحكومة في الولايات المتحدة واليابان»، الذي يبدو لي أنه يستخدم مصطلحات الصندوق، التي تقصد أنه يعني شبح التنصل الرسمي من الديون. بالكاد كان صندوق النقد الدولي مبدعاً بطلب إيجاد حل لمفاوضات الديون الأميركية، مع ذلك، من وجهة نظري، فإن إخفاقات السياسة المالية التي رأيناها هي ثمن ينبغي دفعه للتغييرات الجذرية في دستور الولايات المتحدة. ومع ذلك، عاجلاً أم آجلا، سيكون هناك مواجهة دون حل للسياسة المالية. يحتاج موظفو البيت الأبيض ووزراء مالية العالم والسلطات النقدية، إلى إيجاد خطط طارئة لذلك الحدث، ولدي شك كبير، ولا أظن أنهم يفعلون ذلك على المستوى المطلوب. يجب أن أعترف أني سأتخلى عن كل التقديرات الموجودة في العالم مقابل إصدار نسخة حديثة لكتاب «النظرية العامة للتوظيف، الفائدة والمال»، من تأليف جون ماينارد كينز، الذي تم نشره في عام 1936. جادل المؤلف في أنه لا يوجد خطأ كبير في طريقة النظام الرأسمالي بتخصيص الموارد، لكن هذا لم يكن كافياً وحده لضمان توظيف هذه الموارد بشكل كامل ومعقول، دون إحداث تضخم متصاعد. للأسف، وحتماً، في الوقت الذي كُتِب فيه الكتاب، كان التحليل بدلالة اقتصاد وطني واحد، والذي نحتاج إليه الآن بشكل مُلِح إعادة كتابته بدلالة الاقتصاد العالمي. قد تحتاج هذه المهمة إلى أكثر من شخص، لاحظ أن كينز كان لديه العديد من المساعدين لتجميع النظرية العامة. لكن يُرجى عدم إعطاء هذه المهمة إلى إحدى اللجان. ففي هذه الحالة، من الأفضل عدم البدء. *(فايننشال تايمز)
اقتصاد
«النقد الدولي» يقود الانقلاب على الانكماش
22-10-2013