لماذا ينزل المصريون إلى الشارع مرة أخرى؟ لماذا يغامر الفقير المطحون؟ وكيف يثور الإنسان العادي البسيط المعجون بدينه ومخاوف وتهديدات سمعها عمره كله من أصحاب الدين على قائد أتى باسم الإسلام؟ أين ذهب الخوف الذي يبدو أنه متلازمة مسلمي عصرنا هذا الوحيدة؟ إنه الإرهاق، عندما يفنى كل ما في القلوب من صبر وخوف بل حتى ورع، عندما يحرم الإنسان لقمة عيشه وأساسيات حياته، عندما تطعن كرامته فيعزل ويهمش ويحقر ولا يبقى له شيء يخاف عليه، عندها يصيب أحاسيسه الإرهاق الشديد، تضعف عضلات تفكيره إلا من شعور واحد: الخلاص حتى إن عنى ذلك المغامرة بحياته أو المواجهة مع معتقده.

Ad

يواجه المصريون في تظاهراتهم القادمة قبل الحاكم المستبد والأيديولوجية الدكتاتورية، يواجهون أنفسهم، اختياراتهم، مفاهيمهم حول سيادة الدين، أولوياتهم. لا أدعي أن وصول مرسي هو اختيار مصري حر بحت، إلا أنه أياً كانت العوامل، فإن وصوله اليوم اختبار حقيقي للشعب المصري الذي طالما عاش بمنطق الحرية والتعددية. لربما وصلت الفكرة للثوار اليوم وبالأخص من حملوا شعار الدولة الدينية بتصويتهم لمرسي أن حرياتهم هي جنتهم وأن الدولة الدينية هي النار التي ستحرقهم جميعاً. لربما أدركوا أن الدين لله، في المسجد والبيت، والسياسة للعامة في الوزارات والبرلمان، أما دين البرلمان وسياسة المسجد، فتلك قنبلة موقوتة شهدناها تنفجر أكثر من مرة في وجوه المصريين الشرفاء، الذين استجاروا من الرمضاء بالنار.

وللدكتاتورية وجه قبيح واحد يضعه كل من يعتقد أن الحق عنده وحده، ولأن "الحق" أحق أن ينصر، يصبح استخدام العنف مقبولاً وتكميم الأفواه معقولاً، وفجأة يصبح دكتاتور اليوم نسخة مطابقة لدكتاتور الأمس الذي أتى الأول على ركامه. ومن يقرأ بوادر المظاهرات المصرية الجديدة التي استبقت التاريخ المحدد لها في 30 يوليو، يجد أن العقلية هي ذاتها، والأساليب هي عينها تبدأ بخطاب متشنج صدامي لا معنى له، وتنطلق إلى إطلاق نار على المتظاهرين وتهديد بإغلاق القنوات الفضائية المعارضة. مشهد مرسي هو نسخة طبق الأصل من مشهد مبارك إلا من فرق واحد، في مشهد مرسي يتصارع المواطن البسيط مع قوى من السماء، يقودها رجل ألبس ثوب الأنبياء، وفي أحايين، فاقهم قوة وأهمية وقرباً من الخالق. ومع ذلك، ينزل المصري البسيط إلى الشارع، هذا الذي لم يلعب في يوم سياسة ولا يروم سوى عيشه وهدوء حياته، هذا المؤمن الذي عاش حياته مرتبطاً بعقيدته وغالباً مربوطاً بالمخاوف التي تروج عنها. فما الذي كسر كل حواجز الخوف ودفع بالإنسان البسيط إلى الشارع؟ للخوف عمر قصير جداً وللعقيدة المستبدة عمر أقصر، وعندما يجوع الإنسان ويهان، يختفي الخوف وتتهاوى تهديدات أصحاب الدين، ولا تبقى سوى التهلكة، يرمي الإنسان بنفسه فيها على أمل أن يتغير شيء أو بسبب ضياع الأمل في تغيير أي شيء.