انشغلت البلد في الأسبوعين الماضيين بمحاكمة النائب السابق مسلم البراك والزعيم الفعلي لما يسمى مجازاً بكتلة الأغلبية المبطلة أو الحركة الشعبية الدستورية «حشد» أو كتلة العمل الشعبي، وهي كلها مسميات مختلفة لنفس المجموعة من الأشخاص والساسة وبعض الشباب، وكانت المحاكمة بتهمة المساس بالذات الأميرية في خطابه الذي ألقاه في شهر أكتوبر من العام الماضي على خلفية قدوم الحكومة على العبث بالنظام الانتخابي عن طريق تعديل عدد الأصوات من أربعة إلى واحد، الأمر الذي شق المجتمع الكويتي بين أزرق «مشارك» وبرتقالي «مقاطع».

Ad

وما زال الجدل قائم حول صحة قرار من شارك بالانتخابات خصوصاً في ظل مجلس هزيل الآداء ومبهم التوجه مثل مجلسنا الحالي، وكذلك صحة قرار من قاطع إذ إن المقاطعة لم تؤدِ إلى ثورة مجتمعية ضد تعسف السلطة التنفيذية. أي بكل بساطة... مسلم البراك ألغى خطابه، العالم ثارت، الانتخابات أجريت، تم تعيين مجلس (شرعي عند البعض وغير شرعي عند البعض الآخر) والبلد ما زلت في حالة من الفوضى المتتابعة.

ألا يجب أن نسأل أنفسنا إذن، لماذا ثار الكثير على الطريقة التي تم التعامل بها مع البراك؟ ولماذا انتشرت الفوضى ولماذا اضطر حتى من لا يؤيد نهج أو سياسية أو تصرفات البراك (وأنا منهم) أن يكرس قلمه للكتابة عنه؟!

فالنائب السابق البراك شأنه شأن النواب كافة الذين مروا على المجلس بعد التحرير في 1991، له مواقف في الدفاع عن المال العام، وهو يشكر عليها وله مواقف في وأد روح الدستور مثل تصويته ضد حق المرأة السياسي وإعدام المسيئ وهو يحاسب عليها، وله مواقف في التغاضي عن بعض إخفاقات أبناء قبيلته الكرام حين يمسكون مناصب وزارية وهذا أمر متوقع (بالرغم من عدم عدالته) لأن كل قبيلة أو طائفة أو طبقة اجتماعية تجعل من أبنائها أبطالاً في أعين المنتسبين إليها فقط.

اسمحوا لي أن أقول لكم أن ما جعل مسلم البراك بطلاً قومياً و«خط أحمر» عند البعض هو فساد الحكومات المتتالية التي لم تستطع أن تتصدى لنواب الخدمات حين كانوا يطالبونها بخدمات غير مستحقة لقواعدهم الانتخابية، ولم تستطع أن تدافع عن نفسها في قضايا الفساد حين استيقظت «ضمائر» نواب «الأمة» وحولتهم من نواب خدمات إلى فرسان وأحرار.

الحكومات المتتالية لم تكن يهمها سوى التهدئة على أمل أن الهدوء سيجعل الشعب يغض البصر عن «الزلات» أو «الاختلاسات» أو «الإيداعات» أو تقريب فئة وإضعاف فئة أخرى، وكل هذا لم يؤد إلى الاستقرار بل زاد من الفوضى إلى درجة أن وصلنا إلى زمن أصبح فيه الشعب حريص على الدستور وعلى تطبيق القانون أكثر من الحكومة، ولنا في مسلسل تقديم بلاغ الضبط والإحضار إلى البراك والرفض المجتمعي الذي قابل قانون الإعلام الموحد خير أمثلة.

وبما أن الحكومات المتتالية لم تبالِ بمن ينتقد أداءها، فقد أتاها الجواب من الشعب- بما فيه القواعد الموالية لها سابقاً- أنهم أيضاً لا يبالون بمشاعر من يضيق صدره بالنقد البناء الموجهة إليه مباشرة وغير مباشرة. ولعل أكثر شيء مؤلم هو أن الحكومات المتتالية لم تكترث بالوحدة الوطنية التي تمزقت كأنها ثوب مهلهل يصعب  رتقه، فتلاشى من يصنف نفسه فقط ككويتي، وأصبحنا نلقب أنفسنا «أنا شيعي»، «أنا قبلي»، «أنا حضري»، «أنا برتقالي»، «أنا أزرق».

مسلم البراك لا يمثلني ولا أتفق معه لا في الرأي ولا في النهج، ولكنني لن أقبل أن يتم التعسف معه بسبب رأيه أو شعبيته عند البعض، فإذا سكتنا عن البراك، سيتم التعسف مع أخي او أختي وحتي معي وأنا لا أملك قبيلة تفزع لي ولا حكومة أثق في تطبيقها للقانون وفق مسطرة واحدة، فال

عدالة لا يجب أن تخضع للمواءمة السياسية أو تتأثر بشعبية صاحب القضية، هذا إن كنّا نرغب بتطبيق قاعدة «العدل أساس الملك»، أما إن كانت تلك عبارة عابرة يرددها البعض دون الإيمان بها، فعلى الدنيا السلام.