انفتحت منذ فترة شهية مؤسسات كثيرة، بعضها مستحدث وبعضها الآخر مضى عليه زمن، على الاستعانة بالقضاة لشغل مناصب أساسية إدارية أو ذات طبيعة مالية.وإذ تؤكد هذه النزعة المتصاعدة الثقة بالجهاز القضائي الكويتي ورجالاته، فإنها في الوقت نفسه تفرغه من كفاءاته. ذلك أن الخيار يقع على أصحاب الأداء الأفضل وأصحاب الخبرة، الذين يحتاج إليهم السلك القضائي لممارسة عملهم استناداً إلى ما اكتسبوه من معرفة، وهو بالتالي يتضرر بالتخلي عنهم. قد تعتقد المؤسسات السائرة في هذا المنحى أنها بتعيينها قضاة، تضمن حصانة ضد الفساد ورأياً حصيفاً وتبتعد عن السقطات القانونية التي تتعرض لها أثناء ممارستها دورها، غير أن هذا الاعتقاد مبالغ فيه، لأن القضاة مؤهلون أساساً للعمل القضائي والحكم بين الناس، وليسوا بالضرورة بارعين في الإدارة أو الاستشارة أو إبداء الآراء القانونية. ويفترض أن هناك إداريين أكفاء لشغل المناصب الإدارية وخبراء قانونيين لتقديم المشورة المناسبة.ثم هناك محظور إضافي. فمن غير المستحب أن يكون متخذ القرار قاضياً والمستشار قاضياً إذا كانا في موضع مخاصمة القضاء وطلب أحكام من المحاكم.جهاز القضاء جهاز مستقل له طريقته وخصوصيته. وسمعة القضاة وكفاءتهم مبنيتان على قدرتهم على الحكم بين الناس لا على قدراتهم الإدارية، لذلك فإن هؤلاء ربما يتعرضون للظلم إن وضعوا في المكان الخطأ، وقد يصبحون عرضة للأخطاء لعدم مناسبة تأهيلهم لما يقومون به.أما المسألة الأخطر التي يثيرها موضوع الاستعانة بالقضاء فهي ما يبدو أنه انعدام ثقة بالقيادات الإدارية في الدولة، واعتبار الجهاز الإداري قاصراً عن إفراز كفاءات تتولى المناصب المستحدثة أو الشواغر الطارئة. والحل لا يكون حتماً باستقدام قضاة، بل بإعادة الثقة إلى الإدارة عبر برامج التدريب والتطوير واعتماد معايير عالية للتوظيف مرفقة بسياسة واضحة ونزيهة للثواب والعقاب.وباختصار فإن على جميع المؤسسات أن تعي مسؤولياتها تجاه وطنها وتدرك أن الاستعانة بالقضاة يجب أن تتوقف حرصاً على القضاء ولعدم تفريغ الجسم القضائي من كفاءاته وللحيلولة دون تعريض القضاة للصراعات السياسية.فطوِّروا جهازكم الإداري واتركوا القضاء لئلا تفشلوا في إدارة المؤسسات التي تنوون تسييرها، وتُفشلوا السلك القضائي بتفريغه ممن يجيد تسييره.
آخر الأخبار
افتتاحية: لا تُفرغوا القضاء
25-09-2013