صار السؤال شرعياً ومستحقاً: هل أخطأت الحكومات وأصاب أصحاب مقولة إسقاط القروض، أم أن العكس صحيح وهو أن الحكومات كانت على صواب؟مدهش، كيف تكتشف الحكومات أنها كانت طوال السنين الماضية غافلة عن الحق، وهي اليوم لأسباب لا علاقة لها بمنطق الدولة السليم تريد التعويض عما فاتها، فترتكب المحظور باتخاذ قرار يُسقط فوائد القروض ويُسقط معها الأصول التي يقوم عليها اقتصاد بلدٍ، إضافة إلى قيم العمل والسلوك ومبدأ العدالة بين المواطنين! أن نسمي ما يمكن أن توافق عليه الحكومة بشأن القروض غير "عبث"، فذلك تنكّرٌ للحقيقة. ذلك أنه لا شيء يدفع الحكومة إلى الرضوخ للمطالب الشعبوية والمزايدات النيابية، إلا تحقيق أهداف سياسية تنعكس بالضرر على الدولة وعلى الناس، وهي إذ تستخدم التكتيكات السياسية، فإنها تندرج حتماً في إطار العمى الاستراتيجي الذي لا يحتاج إلى برهان.قُتل موضوع القروض بحثاً وجفَّت الأقلام في توصيفه. وهو في نهاية الأمر، موضوع فني لا أكثر من ذلك؛ فنسبة المتعثرين ضئيلة قياساً على أي مثال عالمي أو خليجي، وتبريرات "الإسقاط" تثير جدلاً أكثر مما تفرض نفسها حاجةً لحل مشكلات إنسانية أو اجتماعية، وهي مشكلات لا يمكن نفيها بالمطلق، لكن لا يجوز اعتبارها ظاهرة عامة والتأسيس على طريقة معالجتها الخاطئة.قال وزير المالية رأيه مراراً وتكراراً، ثم أتى الجواب الفني القاطع من البنك المركزي. ولم يبقَ مختص ذو رأي وازن إلا وحذَّر من مغبة الانجراف في مسار خاطئ فنياً ومالياً واقتصادياً، فضلاً عن أن "مشروع القروض" يميز بين الناس فيعاقب بالحرمان المواطن الملتزم الذي يصرف وفق ميزانيته ويسدد ما يجب عليه، بينما يكافئ من "يتشاطر" على الدولة، فيصرف "ما في الجيب" في انتظار أن يأتيه "ما في غيب" الحكومة من رعاية وأعطيات.إنها رسالة سيئة توجه إلى الشباب؛ فما نفع المؤتمرات التي تحضّهم على العمل الجدي والبناء؟ وما نفع اللقاءات التي تعدهم بأن الكويت ستصير مركزاً مالياً، في وقت تهدم أسس النظام الاقتصادي عبر تخريب قيم العمل والإنتاج؟إن التوجه الخطير إلى إقرار إسقاط الفوائد عبر شراء القروض لن يحل مشكلة أفراد إلا ليخلق مشكلة جيل ومجتمع، فهو يضيع نظام القيم ويفتح أبواباً لن يسهل قفلها. وكل ذلك من أجل حسابات سياسية لا مبرر لها ولا نفع من اتباعها.مرة جديدة فلنسأل هذه الحكومة باسمها وباسم كل الحكومات: هل أخطأ بورمية أم أخطأت الحكومات؟الجريدة
آخر الأخبار
أخطأ أصحاب الفكرة أم أخطأت الحكومات؟
19-03-2013