أخبرني العم حسين بن عبدالرحمن الخراز (مواليد عام 1926) أن والده عبدالرحمن حسين الخراز شارك في معركة الصريف عام 1901، وأنه بعد انكسار جيش الشيخ مبارك، مساء يوم المعركة، اضطر ومعه رجل كويتي إلى البحث عن مكان للاختباء، وبعد مضي ساعات عدة من الجري في الظلام وجدا نفسيهما أمام منزل صغير، فطرقا الباب، وبعد برهة من الوقت سمعا صوت امرأة تسأل: من بالباب؟ فقالا لها إنهما من الكويت وإنهما يريدان دخول المنزل خوفاً من أن يعثر عليهما أتباع بن رشيد فيقتلوهما. وبعد تردد وافقت المرأة على إيوائهما، لكنها أمرتهما بأن يختفيا في الجليب (بئر الماء) حتى تطلب منهما الخروج.

Ad

ويقول العم حسين إن والده أبلغه أنه مكث وصديقه في الجليب يومين، وأن المرأة كانت تأتي لهما بالماء والتمر كلما استطاعت. وبعد يومين، طلبت المرأة منهما الخروج من البئر، ثم أخذهما رجل إلى مزرعة على أطراف بريدة، واختفيا بالمزرعة ستة أشهر، كانا خلالها متنكرين بلباس نجدي، ويعملان في الزراعة. وفي أحد الأيام، اتفقا مع رجل اسمه رشيد على أن يكون دليلهما للفرار إلى الكويت، فاشترط رشيد أن يأخذ 40 روبية من كل واحد منهما مقابل أن يقودهما إلى الكويت مشياً على الأقدام.

وفي إحدى الليالي، انطلق عبدالرحمن الخراز وصديقه خلف الدليل النجدي، الذي كان متفقاً أيضاً مع حوالي أربعين شخصاً كويتياً آخرين، ليكون دليلهم إلى الكويت. وكانوا في بداية الأمر يمشون طوال الليل، وفي النهار يختفون، لكن بعد عدة أيام أخذوا يمشون في الليل والنهار، حتى وصلوا إلى ديارهم بعد ثلاثة عشر يوماً.

وأخبرني العم حسين الخراز أن والده باع ما يمكنه أن يبيعه ليدفع للرجل النجدي أجرته، لكنه لم يستطع أن يجمع إلا خمساً وثلاثين روبية، فطلب من رشيد أن يمهله بعض الوقت، فرد عليه رشيد بأن عليه العودة، وأنه يريد كل المبلغ. فاضطر عبدالرحمن الخراز إلى أن يطلب من الشيخ مبارك أن يقرضه المبلغ، لكن الشيخ مبارك، الذي خسر أموالاً ضخمة بسبب الحرب والهزيمة، اعتذر للخراز، الذي عاد إلى رشيد وأبلغه أنه لا يستطيع دفع المبلغ فوراً وأنه يحتاج إلى أيام عدة لكي يجمع له بقية المبلغ، فأخبره رشيد أنه لا حاجة إلى ذلك، وأنه أسقط عنه المتبقي من المال.

وقد عاش عبدالرحمن الخراز بعد ذلك سنوات طويلة، وتوفي في عام 1953... وهذه إحدى القصص التي لم توثق، لما حدث لأفراد الجيش الكويتي، بعد هزيمتهم في حرب الصريف، وهناك قصص أخرى كثيرة لم تدون للأسف.