عبر عدد من المؤسسات الأكاديمية البريطانية عن سخطه إزاء خطوة اتخذتها الحكومة البريطانية مؤخرا بشأن وضع قيود صارمة على التأشيرات الممنوحة للطلبة الأجانب القادمين إلى المملكة المتحدة، وتعود هذه القيود إلى عملية تنظيمية بهدف الحد من عمالة هؤلاء الطلاب، أو استغلال التأشيرة بهدف البقاء في المملكة المتحدة، وعدم مغادرتها، حتى بعد اتمام الدراسة.

Ad

وثمة تفاصيل تتعلق بخطة التقليص هذه لا يتسع المجال لذكرها هنا، إلا أن السؤال الملح الذي يتبادر إلى الذهن، هو سبب انزعاج هذه المؤسسات، التي بدأت تفقد مصدر تمويل ودخل هام لميزانيتها وأبحاثها، هذا إذا ما علمنا أن كثيرا من المؤسسات التعليمية في المملكة المتحدة وأميركا تعتمد في مدخولها على الرسوم الدراسية التي تتحصل عليها من الدارسين.

قضية الاستثمار في التعليم شائكة، ومتعددة الجوانب، وهي مرتبطة بالدرجة الأولى بنهضة الأمم ومستوى تطوّرها، وبالنظر إلى الوضع في الوطن العربي ومع غياب الإحصاءات اللازمة للوصول إلى حكم دقيق بشأن مكانة هذا الاستثمار، ومردوده المادي، فإننا ندرك أن الأوطان العربية لا تُجاري بلدانا مثل الهند، وماليزيا، والصين وسنغافورة، فهذه الأقطار باتت منافسا حقيقيا لدول أوروبا الغربية وأميركا، من حيث اجتذاب الطلبة من الشرق وآسيا. وأما الأوطان الخليجية فإنها مصدّرة للطلبة والدارسين، في الوقت الذي هي في الصفوف الأولى من حيث استيراد العمالة الوافدة، وهنا يظهر الرابط الخفي بين هذين الشقين.

وفي تفاصيل الوضع الخليجي يمكن الإشارة إلى تجربتين إيجابيتين في كل من الإمارات، والسعودية، فقد شهد التعليم الخاص في دبي على سبيل المثال نهضة كبيرة، معتمدة على التنوع الإثني والثقافي، لسكان هذه الإمارة الناهضة، فنجد أن عددا كبيرا من الكليات والمدارس النموذجية العالمية تحرص على افتتاح فروع لها هناك، وأما حجم الاستثمار في التعليم في الإمارات فقد بلغ 1,9 مليار دولار، وهو حجم طائل ربما لا ينافسه سوى الصين.

أما في المملكة العربية السعودية فقد ذكرت إحصاءات وتقارير اقتصادية أن أرباح الاستثمار في التعليم يفوق حتى مشاريع البتروكيماويات، بما يجعلها في مقدمة المجالات الاستثمارية الناجحة. والأمر المختلف في السعودية مقارنة بدول الخليج الأخرى هو قوّة السوق الداخلي، نظرا لعدد السكان الكبير نسبيا، وتعدد الجامعات والكليات، واستيعاب سوق العمل لاحقا لمخرجات هذه الكليات. وبالطبع فإن سوق العمل هو المكمّل الأساس، لهذه الكليات، وإلا فإن مخرجاتها ستبقى دون جدوى حقيقية، أو انها تلجأ إلى تصدير العمالة الماهرة، وهو الأمر الذي تبرع فيه الهند، وأوطان جنوب شرق آسيا، مما يسهم بإيجاب شديد في اقتصادات هذه الدول، من خلال "التحويلات الخارجية".

في الكويت أثيرت قضية التعليم الخاص مراراً، ولكن من دون جدوى حقيقية، ففي الوقت الذي حصل فيه عدد من الجامعات العالمية على أحقية فتح فروع لها في الكويت بواسطة مستثمرين محليين، إلا أن ارتفاع تكليف الدراسة في هذه الكليات إلى حدود مبالغ بها، يجعل الطلبة أمام خيار واحد هو اللجوء إلى الجامعات الخارجية، في مصر وبلدان آسيا، بهدف الحصول على الدرجة العلمية اللازمة، للترقي الوظيفي، والحصول على مميزات إضافية، وهو الأمر الذي يفتح الباب واسعا أما مسألة "أخلاقية" تتعلّق بأحقية الدرجة الممنوحة، ومدى إمكانية "شراء" شهادات، ليس الهدف منها ممارسة التخصص والمهنة، بقدر ما هو الحصول على مميزات تمنحها الحكومة للموظفين الذين يحملون هذه المؤهلات، أو تلك، ولنا في شهادات الهندسة "المضروبة" التي أثيرت في بعض وسائل الإعلام، خير مثال على ذلك، ولم نكن لنسمع عن هذه القضية لولا المكافآت والعلاوات المجزية التي أُقرّت مؤخرا لخريجي الهندسة، حتى وإن كان الخريج لا يجيد حساب معادلة رياضية واحدة، أو التحدث بلغة علمية سليمة عن تخصصه لمدة خمس دقائق متواصلة.

إذاً الأزمة هنا علمية أخلاقية تتقاسمها أطراف عدة، ليس من بينها الإتقان العلمي، أو رفد سوق العمل بمؤهلات متمكنة وقادرة، هذا إذا سلّمنا جدلا أن ثمة سوق عمل، أو مناخا ملائما لعمل هؤلاء. القضية متكاملة وتثبت بكل تأكيد كم نحن متأخرون.