انتصرت "نوبل" هذه المرة لفن القصة القصيرة، ومنحت جائزتها للكاتبة الكندية أليس مونرو، التي توصف بأنها أفضل من كتبها في هذا العصر، وتقارَن، من دون أي تحفظ بـ"تشيخوف"، أستاذ هذا الفن، من دون أي منازع.

Ad

لم يكن اسم أليس مونرو بعيداً عن الجائزة، فهو مطروح ضمن جملة أسماء، تصعد بهم "الميديا"، كيفما اتفق، وتطرحهم مكاتب المراهنات، هنا وهناك، إلا أن ما يميز مونرو بُعدها عن الضجة الإعلامية، وكان اسمها يرد لِماماً دونما تأكيد أو تكريس إعلامي يشبه الذي بدأ يرافق الياباني هاروكي موراكامي في السنتين الأخيرتين أو يشبه جهد الإعلام العربي لإيصال صوت الراغبين في ترقية آسيا جبار، أو إعادة أدونيس مرة أخرى إلى الأضواء بعد أن كان مرشحاً للجائزة بقوة في سنوات سابقة.

لفوز مونرو، دلائل وإشارات كثيرة قد تسترسل الصحافة الأدبية في وصفها أو الكتابة عنها في الفترة المقبلة، إلا أن أبرزها تلك المقدرة الفائقة التي يتميز بها مانحو الجائزة على المفاجأة، وإحداث المفارقة. فبعد أن كانت السياسة في السنوات القليلة الماضية مؤشراً قوياً لمنح الجائزة، بدأنا نقرأ عن "مكافأة" لشعوب أو دول لم تحصل عليها قط، كما أننا من حين لآخر نقرأ إشارات لصراع خفي بين "السرد"، وأكثر ما يمثله الرواية، والشعر الذي غالباً ما يغيب عن الجائزة، لذا كان فوز الشاعر السويدي توماس ترانسترومر 2011 مؤشراً "مفرحاً" لمحبي الشعر.

وأما في هذه السنة فقد ذهبت الجائزة إلى كاتبة كندية، يتجاوز عمرها الثمانين عاماً، وتكرس قصصها لحياة النساء والأطفال والصراعات الاجتماعية الخفية لطبقات غالباً ما تتخذ من المدن الصغيرة أو القرى مقراً لها. وإذا تجاهلنا أن كندا لم تحصل سابقاً على الجائزة، فسنجد أنفسنا أمام أمر آخر مدهش، يتعلّق بحياة الكاتبة الفائزة ذاتها. فقد انطلق قلمها، وهي في سن المراهقة، أو ريعان الشباب، وبحسبة بسيطة ندرك أنها كتبت أولى قصصها قبل نحو 65 عاماً، وهي بذا تصوّر حياة مجتمع بسيط لم تصل إليه يد التكنولوجيا، ولم يتلوّث بمستلزمات العولمة، وتعقيدات الحياة الاجتماعية الحديثة. صحيح أنها لم تكرس اسمها أدبياً إلا بعد الثلاثين من عمرها، لكن قصصها التي تناقلت وسائل إعلام مضامينها تصب جملة في حياة الناس حين كان العالم الغربي أو بمعنى أصح كتابه يولون اهتماماً كبيراً لتلك المشكلات الناجمة عن صراعات اجتماعية، تبدو المرأة محوراً أساسياً فيها، بما تحاوله من إعادة اعتبار لوجدانها، وعواطفها، وتعاطيها مع الرجل عبر حوار يبرز شخصيتها وهمومها الذاتية دونما خوف أو وجل.

فهل انتصرت "نوبل" أيضاً للحياة الاجتماعية البسيطة إبان فترتي الأربعينيات والخمسينيات؟ أمر وارد، وهو يشبه تماماً انتصارها لفن "القصة القصيرة" بدلاً من الرواية المكرّسة غالباً لهذه الجائزة.