بعد طرد التنظيم المتطرف «القاعدة» من أفغانستان في عام 2001 وفشله في إيجاد ملجأ آمن له في العراق واليمن، ها هو يحاول الآن ترسيخ وجوده في المساحة شبه الخالية التي تمتد من ساحل غرب إفريقيا نحو المناطق الداخلية.

قد تبدو هذه الأرض عدائية لأن المخابئ والمياه فيها نادرة، فكيف بالحري الطرقات أو المستشفيات؟ لكن بالنسبة إلى «القاعدة»، إنه وضع مناسب. ستبقى المقاومة محدودة نظراً إلى انخفاض عدد المقيمين هناك. وقد أثبت سكان تلك المنطقة حتى الآن أنهم خصوم ضعفاء أو حلفاء محتملون. تُعتبر مالي مثالاً على هذا الوضع، فقد نجحت «القاعدة» في التعايش مع العصابات المحلية والمتمردين هناك.

Ad

قد تبدو الأنباء المنتشرة عبر إذاعات الراديو في شمال مالي أشبه بدعابة سيئة: يقتحم مجاهد ومهرّب وانفصالي إثني بلدة صحراوية ويضايقون السكان هناك، فيهرب أكثر من 100 ألف شخص من المنطقة. لكنّ هذا النوع من الأنباء ليس دعابة. منذ بداية عام 2012، يتقاسم المتطرفون في جماعات مثل «الطوارق» و{أنصار الدين» قضية مشتركة مع العصابات الإجرامية التي تهرّب المخدرات في أنحاء الصحراء. لقد سيطروا معاً على منطقة بحجم فرنسا وفرضوا شكلاً صارماً من الشريعة الإسلامية.

في عام 2013، لا شك في أنهم سيقاومون أي محاولة لتفكيكهم. سرعان ما يتبين أن القوات المسلحة في مالي لا تملك معدات كثيرة ولا دوافع حقيقية للتحرك كي تسترجع الأراضي المفقودة. لن تتمكن الدول المجاورة التي تنشط تحت راية «المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا» من حشد قوة نافذة بما يكفي لطرد المتطرفين وهزم حركة التمرد.

الحلفاء الغربيون

ستتوجه جميع الأنظار نحو الحلفاء الغربيين. تشعر فرنسا، أبرز قوة استعمارية سابقة في المنطقة، بالقلق الشديد ولكنها قد لا تملك القوة العسكرية اللازمة للتدخل. تملك الولايات المتحدة تلك القوة ولكنها ستتردد حتماً في إرسال قواتها الميدانية غداة تجربتها في العراق وأفغانستان. لذا قد تقرر استعمال طائرات بلا طيار لمهاجمة المتطرفين. هذه الطريقة فاعلة جداً في الصحراء تحديداً. لا تتوافر للمتطرفين أماكن كثيرة للهروب من العين الإلكترونية التي تتعقبّهم من الجو. لكن لا تستطيع الطائرات بلا طيار السيطرة على الأراضي. ستبقى البلدات في شمال مالي في يد ما يُعرف باسم «القاعدة في المغرب الإسلامي»، إلى جانب المهربين والمتمردين.

ستنشأ تحالفات مماثلة في أجزاء أخرى من شمال غرب إفريقيا. في شمال نيجيريا، عمد مقاتلون إسلاميون من جماعة اسمها «بوكو حرام» إلى قتل أكثر من ألف شخص منذ عام 2010. تدرب أعضاؤها مع «القاعدة» في الصومال واليمن. ما لم تقدّم الحكومة النيجيرية تنازلات مهمة إلى «بوكو حرام»، ستلجأ هذه الجماعة إلى «القاعدة» وتتخذها حليفة لها.

في بلد النيجر المجاور، أدى الجفاف الحاد والنقص في المواد الغذائية إلى نشوء أرض خصبة ومثالية للمتطرفين. بالنسبة إلى «القاعدة»، تلك المنطقة هي صلة وصل محورية تربطها بمنطقة جنوب ليبيا التي أصبحت خارجة عن القانون بعد سقوط العقيد القذافي. في الجوار، شهدت الجزائر تدفق الأسلحة إليها من ليبيا، فتنامى بذلك عنف المتطرفين.

يحق للقوى الغربية أن تقلق من أن تندمج مختلف حركات التمرد في هذه الدول وأن تُنشئ مساحة واسعة خارجة عن السيطرة حيث تستطيع «القاعدة» التحرك بكل حرية. يمكن رصد مؤشرات على حصول ذلك منذ الآن. يبدو أن أكثر من 300 عنصر في جماعة «بوكو حرام» يتدربون في بلدة قاو في صحراء مالي.

سيتوقف حجم توسع التطرف الديني والعنف السياسي في شمال غرب إفريقيا في عام 2013 على تلقي «المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا» الأموال الكافية من الغرب كي تنظّم قوة عسكرية تستطيع القضاء على المتطرفين. سيكون المال الغربي عاملاً حيوياً في هذا المجال مثلما كان خلال المعركة القديمة ضد الفقر والأمراض في هذه القارة.