نأمل أن تكون جلسات الاستماع المقبلة حول ترشيحات الرئيس لمنصب وزير الخارجية ووزير الدفاع أمام لجنة العلاقات الخارجية ولجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ كفيلة بإطلاق جدل واسع حول دور هذا البلد في العالم المضطرب جداً اليوم. لا شك أن جلسات الاستماع ستطرح أسئلة عن المقاربة الاستراتيجية المرتبطة بالتحرك العسكري الأميركي المحتمل ضد إيران، فقد ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية حديثة أن عضواً سابقاً من فريق عمل مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس أوباما توقع حصول اعتداء أميركي في منتصف السنة تقريباً. لا بد من التناقش حول مسألة الحرب والسلم مع إيران بشكل مفصل، مع أخذ المصلحة الأميركية الوطنية بالاعتبار طبعاً. صحيح أن الرئيس تجنب بكل براعة إعلان التزام واضح بالتحرك العسكري خلال تاريخ معين، ولكن غياب أي اتفاق يتم التفاوض عليه مع إيران بشأن التزامها بمعاهدة منع الانتشار النووي سيؤدي حتماً إلى تكثيف بعض الدعوات المحلية والخارجية المتطرفة لتنفيذ تدخل عسكري أميركي أحادي الجانب أو بالتنسيق مع إسرائيل.بناءً على ذلك، لا بد من معاينة خمسة تداعيات محتملة على الولايات المتحدة في حال شن حرب إضافية:• ما مدى فاعلية الضربات العسكرية الأميركية ضد المنشآت النووية الإيرانية وما ستكون العواقب والكلفة البشرية المترتبة على الشعب الإيراني؟• كيف سيكون رد إيران الانتقامي ضد المصالح الأميركية وما عواقب ذلك على الاستقرار الإقليمي؟ ما الأضرار المترتبة على الأنظمة الاقتصادية في أوروبا وآسيا نتيجة الفوضى اللاحقة؟• هل يمكن اعتبار أن الاعتداء الأميركي يتماشى مع المعايير الدولية؟ وهل سيدعمه مجلس الأمن (لا سيما الصين وروسيا نظراً إلى احتمال لجوئهما إلى حق النقض)؟• بما أن إسرائيل تملك أكثر من 100 سلاح نووي كما يُقال، ما مدى مصداقية الفكرة القائلة إن إيران قد تهاجم إسرائيل قبل أن تحصل بنفسها على ترسانة نووية مهمة تشمل إمكانات قوية لشن ضربات ثانية، علماً أن هذا الأمر لن يتحقق قبل سنوات عدة على الأقل؟• هل يمكن أن يوفر أي التزام استراتيجي أميركي بديل تدبيراً مقبولاً وأقل تهوراً لإبطال التهديد النووي الإيراني بدل شن حرب أحادية الجانب في منطقة قابلة للاشتعال؟تشير أفضل التقديرات المتوافرة إلى أن الضربة الأميركية المحدودة ستؤدي حصراً إلى آثار موقتة. ستكون الاعتداءات المتكررة أكثر فاعلية، لكن سيرتفع عدد الضحايا المدنيين في هذه الحالة وستنشأ مخاطر مخيفة بسبب التسرب الإشعاعي. ستتحول المشاعر القومية الإيرانية إلى مشاعر كره مترسخة تجاه الولايات المتحدة، الأمر الذي يفيد النظام الحاكم سياسياً.إذا ردّت إيران على ذلك الهجوم، فقد تصعب وضع القوات الأميركية في غرب أفغانستان من خلال تنشيط جبهة جديدة من العصابات. يمكن أن تسرع طهران أيضاً أعمال العنف المتفجرة في العراق، وقد تؤجج هذه الأحداث المنطقة كلها عبر نشر الصراعات من سورية إلى لبنان حتى الأردن. يُفترض أن تتمكن البحرية الأميركية من إبقاء مضيق هرمز مفتوحاً، ولكن تصاعد تكاليف التأمين على تدفق النفط سينعكس سلباً على الاقتصاد في أوروبا وآسيا. سيلوم الكثيرون الولايات المتحدة على ما يحصل.نظراً إلى الأداء الأميركي المريع في الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة (حيث كسبت الولايات المتحدة وإسرائيل دعم سبع دول فقط من أصل 188 لمعارضة عضوية فلسطين في الأمم المتحدة)، من المتوقع أن يؤدي أي اعتداء أميركي غير شرعي على إيران إلى تأجيج مشاعر السخط عالمياً. هل ستدين الجمعية العامة للأمم المتحدة الولايات المتحدة في تلك الحالة؟ ستكون النتيجة عبارة عن عزلة دولية غير مسبوقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الغارقة أصلاً في اضطرابات المنطقة القائمة منذ فترة طويلة.يجب أن يتنبه الكونغرس أيضاً إلى أن أصدقاءنا في الشرق الأوسط وأوروبا، ممن يدافعون عن التحرك العسكري الأميركي ضد إيران، يترددون دوماً في إعلان استعدادهم لسفك دمائهم خلال أي صراع جديد في الشرق الأوسط. ما يزيد الأمر سوءاً هو أن أبرز مستفيد من قرار شن الحرب سيكون روسيا برئاسة فلاديمير بوتين، فهي ستتمكن في هذه الحالة من فرض التكاليف التي تريدها على أوروبا مقابل نفطها تزامناً مع حصولها على حرية كاملة لتهديد جورجيا وأذربيجان.نتيجةً لذلك، يجب ألا يكون الفشل في التوصل إلى حل مُرْضٍ مع إيران دافعاً لشن حرب أميركية جديدة قد لا تبقى محصورة في إيران فقط. يجب أن تطبق الولايات المتحدة مقاربة حذرة وفاعلة تقضي بمتابعة العقوبات الصارمة ضد إيران تزامناً مع تبني سياسة رسمية في الشرق الأوسط تشبه تلك التي نجحت طوال عقود في حماية الحلفاء الأوروبيين والآسيويين من التهديدات الأكثر خطورة التي طرحتها روسيا في عهد ستالين ثم كوريا الشمالية المسلحة نووياً. سيتم التعامل مع التهديد العسكري الإيراني الذي يستهدف إسرائيل أو أي صديق آخر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وكأنه موجّه إلى الولايات المتحدة نفسها، ما يعني تسريع الرد الأميركي المناسب.قد يؤدي النقاش الجدي حول هذه المسائل في لجنة العلاقات الخارجية إلى إنتاج إجماع وطني قوي على أن اللجوء المتهور إلى الحرب (وهو أمر لا يفضله الآن لا الشعب الأميركي ولا الرأي العام الإسرائيلي) ليس الرد الأنسب على أي أزمة حادة محتملة. هل كان مير داغان، الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي، محقاً حين أعلن صراحةً أن الاعتداء على إيران "هو أغبى أمر سمعه في حياته"؟ لحسن الحظ، ثمة خيار أفضل حتى لو لم يكن مثالياً.* كان مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر وهو مؤلف كتاب "رؤية استراتيجية" (Strategic Vision).
مقالات - Oped
يجب أن تتصدر إيران قضايا جلسات الاستماع
08-01-2013