يحذّر الدبلوماسيون عقب الاعتداء الأخير على السفارة الفرنسية في طرابلس من العنف الإسلامي المتنامي ضد أهداف غربية في ليبيا كرد فعل على الحرب في مالي.

Ad

يُعتبر التفجير الذي دمر معظم السفارة عملية انتقامية نفذها مقاتلون ليبيون لأن باريس قررت قبل يوم تمديد مهمتها العسكرية ضد إخوانهم المجاهدين في مالي. علمت صحيفة The Guardian أن المجموعات المجاهدة التي طُردت من معقلها في تمبكتو توجهت شمالاً، عابرة الصحراء الكبرى عبر الجزائر والنيجر وصولاً إلى ليبيا، مؤججةً بالتالي تمرداً إسلامياً متنامياً.

يذكر دبلوماسي غربي في طرابلس: "ثمة روابط مؤكدة بين المجموعات في مالي وليبيا، ونعلم أن ثمة طرقاً يتبعونها في التنقل. نتيجة لذلك، ازداد قلق الطبقة السياسية هنا من أن تنعكس أحداث مالي عليهم سلباً".

تفاقم هذا القلق الأسبوع الماضي بعد أن فجر المتمردون سيارة مفخخة خارج السفارة الفرنسية، ما أدى إلى جرح حارسَين فرنسيَّين وطالب ليبي. وهذا أول اعتداء على هدف غربي في العاصمة الليبية منذ نهاية ثورة الربيع العربي عام 2011.

يذكر الكولونيل كيبا سانغاري، قائد القوات المالية في تمبكتو: "تهرب المجموعات المسلحة التي نحاربها إلى ليبيا. ألقينا القبض على ليبيين في هذه المنطقة، فضلاً عن جزائريين ونيجيريين وفرنسيين وغيرهم من الأوروبيين الذين يحملون جنسيتَين".

أرسلت فرنسا الجنود إلى مالي في يناير بعد الانتفاضة في الشمال، التي بدأت مع حركة الطوارق الوطنية لتحرير أزواد، وقد حملت هذه الحركة اسم الدول المستقلة التي تأمل في تشكيلها.

استمدت هذه الانتفاضة زخمها من جنود مجموعة الطوارق الإثنية الذين قاتلوا إلى جانب معمر القذافي وهربوا جنوباً مع سقوط النظام، لكنها سرعان ما نمت بعد أن انضم إليها مجاهدون من ليبيا ومن أنحاء شمال إفريقيا المختلفة الأمر الذي أدى إلى إدانة دولية واستهجان واسع النطاق عقب تدميرهم مقامات المسلمين السلفيين في تمبكتو، لكن ينتشر في أنحاء المغرب العربي المختلفة اليوم مخاوف من أن تكون العملية الفرنسية، التي أخرجت المقاتلين من المدن الشمالية، قد فاقمت عن غير قصد المشاكل في مناطق أخرى من شمال إفريقيا مع تفرق وحدات المجاهدين.

يوضح بيل لورانس من مجموعة الأزمة الدولية، مؤسسة استشارية سياسية: "عندما تضغط على بالون من ناحية، ينتفخ من الناحية الأخرى. ولا شك أن الأعمال الفرنسية في مالي أدت إلى ضغط البالون باتجاه الجزائر وليبيا".

يؤكد سكان تمبكتو الروابط بين مقاتلي الطوارق هناك ونظرائهم في جنوب ليبيا. يقول مهامان توري (53 سنة): "في مالي الكثير من الطوارق الذين غادروا خلال فترة جفاف عام 1973. فصار بعض منهم شخصيات بارزة في الجيش الليبي خلال عهد القذافي. أعرف شخصياً طارقي من السكان المحليين أصبح جنرالاً خلال حكم القذافي، ثم انضم إلى مجاهدين هنا. أما اليوم، فقد عادوا جميعاً إلى ليبيا".

يؤكد الدبلوماسيون أن المجاهدين يجتازون الصحراء الكبرى لينضموا إلى الكوادر في مدينتَي بنغازي ودرنة على الساحل الشرقي الليبي. نتيجة لذلك، تعرضت مراكز الشرطة في كلتا المدينتين إلى تفجيرات خلال الأيام الماضية، ويشكّل ذلك جزءاً من حركة التمرد التي تهدد بتقويض ديمقراطية البلد الجديدة الهشة. ذكر رئيس تشاد، إدريس ديبي، أخيراً أن بنغازي باتت تضم اليوم معسكرات تدريب لمقاتلي ثوار تشاديين.

يوضح برني سيب، خبير متخصص في شؤون منطقة الصحراء الكبرى في جامعة برمنغهام: "يبدو هذا منطقي من وجهة نظر كل إسلامي. فإن كنت في شمال مالي، يكون الحل الأفضل أمامك أن تجتاز النيجر لتصل إلى جنوب ليبيا، الذي يعاني غياب الدولة".

لطالما كان شرق ليبيا قاعدة للإسلاميين، الذين أطلقوا انتفاضة فاشلة ضد القذافي في تسعينيات القرن الماضي. وعاودت وحداتهم الظهور خلال الانتفاضة التي شهدتها ليبيا قبل عامَين. ومع أن كثيرين منهم انضموا إلى قوات الحكومة، يشن آخرون الحملات من أجل تأسيس دولة يحكمها رجال الدين لا سياسيون علمانيون. وقد تحولت بنغازي إلى منطقة يحظر على الأجانب دخولها عقب الاعتداء على القنصليات البريطانية والإيطالية والتونسية، وتفجير كنيسة قبطية مصرية وإحراقها، وقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز في سبتمبر، عندما اقتحم مقاتلون القنصلية الأميركية. ويشير التفجير في طرابلس إلى أن الإرهاب قد تفشى راهناً إلى العاصمة.

يذكر دبلوماسي في طرابلس: "تعاني ليبيا انعكاسات مالي بطريقتين: أولاً، بسبب المقاتلين الذين يتدفقون إلى هنا، وثانياً بسبب الوحدات التي تنفذ اعتداءات، دعماً لإخوانها [في مالي]".

لا تقتصر هذه الانعكاسات على ليبيا، ففي شهر يناير، هاجمت وحدات من تنظيم "القاعدة في المغرب العربي" (أحد فروع القاعدة مقره في الجزائر) محطة للغاز في إن أميناس وقتلت 38 رهينة في ما اعتبرته رداً على الهجوم الفرنسي في مالي.

باتت معاناة المواطنين الليبيين كبيرة. بينما كان المحققون الفرنسيون يبحثون وسط الحطام والركام خارج السفارة المهجورة، راح عماد تيليسي، رجل أعمال من طرابلس يقيم في الجوار، يراقبهم وهو يهز رأسه. يقول: "هذا مسيء جداً لليبيا. لا شك أن هذه أسوأ رسالة قد نبعث بها إلى العالم. نحتاج إلى أن يقصد الأجانب ليبيا ليعقدوا الصفقات التجارية ويبنوا البلد، ولكن بعد هذا التفجير، باتوا يرفضون الإقدام على هذه المخاطرة".

تصطدم جهود ليبيا للتصدي لهؤلاء المقاتلين بانعدام ثقة الشعب بوحدات الأمن الحكومية، التي يأتي كثيرون منهم من تشكيلات عهد القذافي السابقة. لكن اعتداء بصاروخَين على أنابيب للنفط والغاز في مطلع الشهر الماضي في جنوب بنغازي أثار بلبلة كبيرة في قطاع ليبيا النفطي، خصوصاً أن هذا القطاع يُعتبر مصدر عائدات كبيرة في مجال الصادرات.

كدّست ليبيا الموارد بهدف قطع إمدادات المجاهدين من مقاتلين وأسلحة على طول حدودها الجنوبية، معلنةً أن الطائرات التي تجوب الصحراء لها مطلق الحرية بأن تطلق النيران في كامل تلك المنطقة. أما في الجنوب الغربي، فقد انتهى العمل على خندق بطول 174 كيلومتراً تقريباً يمتد عبر الصحراء الغاية منه ردع المهربين من دخول ليبيا.

لكن الخبراء يؤكدون أن الليبيين يواجهون مهمة ضخمة. يذكر سيب: "من المستحيل ضمان أن كل الحدود مقفلة تماماً. نتحدث هنا عن مناطق صحراوية فيها جبال وأودية ضيقة".

صحيح أن رئيس الوزراء الليبي، علي زيدان، تعهد بطرد كل المقاتلين من بنغازي، إلا أن كثيرين يشككون في أنه يملك ما يكفي من الوحدات التي يُعتمد عليها لتحقيق هذا الهدف.

في شهر ديسمبر، قدّمت واشنطن طائرات من دون طيار وطائرة حربية إلكترونية من طراز أوريون كي تدعم وحدات الحكومة في توقيف المجاهدين المشتبه فيهم في بنغازي. وتزوّد اليوم ليبيا بمعدات لمراقبة الحدود. كذلك تقيم قواعد لطائراتها من دون طيار في النيجر، حيث تستطيع مراقبة مالي وليبيا على حد سواء.

لهذه السياسة منتقديها، الذين يعتبرون أن التجربة في أفغانستان والعراق تُظهر أن العمل العسكري لا ينجح إلا عندما يترافق مع عملية سياسية تضمن معالجة مشاكل كل فئات المجتمع، ما يحرم المقاتلين من الدعم الشعبي. يذكر لورانس: "من الممكن أن تؤدي مقاربة جمع المعلومات، التي تعتمد حصراً على طائرات بدون طيار، إلى نتائج عكسية. سنعاني دوماً من أشرار يفجرون أبنية. لكن السؤال الذي ينشأ: في أي بحر يسبحون؟ يجب أن تكون أولويتنا دعم حكومة شرعية تعكس طموحات كل عناصر المجتمع الليبي".

أدى بروز الإسلاميين في شمال إفريقيا إلى شبكة من المنظمات الجهادية المتنافسة التي تبدو التحالفات بينها غامضة غموض الحدود التي تجتازها. تألفت الوحدات التي قادت انتفاضة مالي من مقاتلين من الطوارق الليبيين والمجاهدين على حد سواء، رغم أنهم قاتلوا إلى جانب فريقين مختلفين خلال الحرب الأهلية الليبية. يقول أحمدو طاهر، الذي هاجمه المقاتلون خلال نقله مؤناً طبية على بعد 100 كيلومتر شمال تمبكتو: "لا فارق بين الإسلاميين وحركة الطوارق الوطنية لتحرير أزواد في نظري. فكلهم يحملون السلاح، وكلهم يريدون أذيتنا".

Chris Stephen