المذكرة التي أعدها اتحاد المصارف بالتعاون مع كل من اتحاد الشركات الاستثمارية، واتحاد العقاريين، واتحاد الصناعيين، والتي تم رفعها إلى صاحب السمو، تضمنت رؤية هذه الاتحادات وما تقترحه من معالجات عاجلة بهدف تحريك عجلة النشاط الاقتصادي في الكويت. ومن الطبيعي أن تحفل مذكرة مثل هذه بكم كبير ومتشعب من الرؤى والمقترحات بسبب تعدد الأطراف المشاركة في إعدادها وتنوع اهتماماتها.

Ad

وقد يجد القارئ لهذه المذكرة أن المقترحات ذات الصلة بالقطاع الصناعي، وهو القطاع الإنتاجي الوحيد الذي قدمت المذكرة رؤية بشأنه، والذي أدرج في الجزء الأخير منها قد أتت مختصرة ومقلة وعامة في تناولها لمشكلات هذا القطاع. وتعبر المذكرة بذلك وبدرجة أساسية عن رؤية القطاعين التمويلي والعقاري لإشكالياتهما ومقترحاتهما لكيفية معالجة هذه الإشكاليات. ولا أحد يقلل من أهمية هذين القطاعين في الاقتصاد الوطني، ولست أبالغ إن قلت إن كل قضية من قضايا أي منهما تستحق بذاتها دراسة متخصصة ومتعمقة ورؤى وحلولاً ومقترحات خاصة بها.

وتمثل المذكرة رؤية أحد طرفي السوقين المالي والعقاري وهو الطرف المنتج أي بتعبير آخر جانب العرض، إذ تمثل الاتحادات الأربعة المشاركة في صياغة المذكرة رؤية الملاك الرئيسيين لأنشطة المصارف والاستثمار والعقار. ولا يملك أحد، بالتأكيد، أن يقلل من أهمية هذه الرؤية، لأنها نابعة من داخل القطاعات المعنية، وهي بالتالي رؤية تنطلق من قراءة لا تبتعد عن واقع هذه القطاعات، وحقيقة ما تعيشه من أوضاع مضطربة ومشكلات متفاقمة. وهذه أوضاع ليست بالجديدة فقد مضى عليها أكثر من خمسين شهراً، أي منذ أن دخلت الكويت دوامة الأزمة المالية، ومعالجاتها التي افتقدت إلى الجرأة والسرعة والتكامل والشمولية، وهي المواصفات الضرورية التي لا يقيض بدونها لخطة معالجة أزمة بحجم الأزمة المالية أن تثمر أو تحقق نجاحاً يذكر.

ولكن مع كل هذه الأهمية التي تكتسبها تلك المذكرة إلا أنها تقدم قراءة من جانب واحد فقط، أي جانب العرض، وقد تتوافق مع هذه القراءة أو تتناقض الرؤية الخاصة بجانب الطلب، وهي رؤية لا تؤطرها ولا تمثلها اتحادات أو جمعيات فاعلة. ومن ثم فإن رأي المشترين أو المستهلكين أفراداً أو مؤسسات في سوقي المال والعقار تبقى غائبة أو مغيبة ولا تملك قوة ضغط مؤثرة على مركز القرار، وجل ما يتطلع إليه هؤلاء هو أن تستمع الدولة – الجهة المنظمة للعلاقة بين طرفي السوق - إلى وجهة نظرهم ومقترحاتهم. ولا ينبغي في هذا الإطار لمنظمات المجتمع المدني أن تظل بمنأى عن الخوض في الشأن الاقتصادي العام، خاصة أنها الجهات الوحيدة التي يمكن لها أن تعبر بفاعلية وموضوعية عن وجهة نظر جانب الطلب.

ولنأخذ مثلاً ما أوردته المذكرة في معرض تناولها للمشكلة الإسكانية، حيث قدرت طلبات الرعاية السكنية بنحو 314911 طلباً جديداً خلال العشرين عاماً المقبلة، وبإضافة الطلبات المتراكمة حالياً فإن هذا يعني أن على مؤسسة الرعاية السكنية أن توفر ما معدله 20 ألف مسكن سنوياً، وهذه مهمة مستحيلة كما قالت المذكرة التي ترى أن أسعار العقارات السكنية تميل نحو التزايد باستمرار نظراً لضعف العرض وزيادة الطلب.

وهذه رؤية صائبة قد تتوافق معها رؤية جانب الطلب، ولكنها رؤية لا تتناول بالعرض أو التحليل حجم الممارسات الاحتكارية أو أنشطة المضاربة أوغياب الشفافية في سوق السكن الخاص، ودور كل ذلك في تعزيز التضخم الجامح وغير العقلاني الذي تشهده أسعار العقار السكني. لذا نحن بحاجة إلى رؤية مكملة في هذا المسار وغيره من المسارات التي تناولتها المذكرة، ودون ذلك لن تتحقق الشفافية المطلوبة والضرورية في معالجة المشكلات التي يعانيها الاقتصاد المحلي.

* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت