إن الضعف والقصور هما شيمتنا فكيف ننكرها على غيرنا ولا نكظم غيظنا ولا نعفو ولا نصفح وهو طريقنا للعيش بسلام في الدنيا والفوز بمحبة الله وغفرانه بالآخرة بأن نأخذ العفو ونأمر بالمعروف ونعرض عن الجاهلين، وكيف ندعو الله أن يغفر لنا ونحن نرفض العفو والتسامح مع عباد الله معنا في أوطاننا، فنُلبس إيماننا بظلم وميل وحيف وجور وهوى متبع ومصطنع، ولو كانت الدنيا  تَعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء، فإذا لم يكن هناك إكراه في الدين ولك دينك ولهم دينهم، فإن كل ما كان من قتال بين أبناء الوطن الواحد على الدنيا، فهو فتنة لا يجوز أن نخرج فيها ولا نشايع ولا نمايل ولا نحبذ شيئاً من أمور المتقاتلين.

وتأتي على الأمم والشعوب أيام الكل يضيق بالكل، المواطن يضيق بوطنه، والوطن لا يتسع لأبنائه والنفوس نافرة مُستفزة تبحث عمن يناصبها الشقاق، والقلوب انتزعت منها رحابة الصدر وسعة الخلاف وقيمة التسامح، تشعر وكأنك في قبر مظلم موصد الأبواب مسحوب الهواء منزوع الفرح عزيز النوم حليف الشؤم رفيق الأرق شقيق القلق والهم وصديق دائم للغم والضجر.

Ad

أيامٌ صار الكل فيها كبيراً إلا الأوطان هانت علينا وصغرت في عيوننا، الكل صار محتكراً للحق والحقيقة التي لها ألف باب وألف وجه، وترى وجوهاً نكدة وعقولاً غائبة وفرقاً وشيعاً متعددة، وكلٌّ منهم يرى أنه العالم دونك ببواطن الأمور والأولى بالاتباع، ويقول لنا ما قال فرعون لقومه ما أريكم إلا ما أرى!

أيام يصبح فيها الحليم حيران، وتصبح الأوطان أذناباً عليها السمع والطاعة والانصياع لحكماء لا يتدبرون ولا يبصرون ويهرفون بما لا يعرفون، قلوبهم غٌلف على رأي واحد لا يفهمون سواه ولم يفكروا فيما عداه زاعمين أن الخير فيه وحده ناسين أو متناسين أن صاحب الصواب لا يهاب الحوار، وأن صاحب الحق لا يعوزه السب والصياح، قلوبهم في حناجرهم، يوظفون كل شيء يؤدي إلى الصدام والصراع، ويصبح الدين وسيلة لتعبئة القلوب والنفوس نحو الصدام وإشعال النيران في القلوب فيمتد لهيبها ليحرق الأوطان ويسوقون الناس والأتباع ويحشدونهم لطريق نهايته جُرف هار محفوف بالصدام والعنف وبحور من الدم.

فإذا ضاقت مؤسسات الدولة عن سعة خلاف أبناء الوطن الواحد، وتوارى الرواد والمفكرون والعلماء والحكماء وساد الدهماء والغوغاء والمتاجرون بنا وبضعفنا وأخطائنا وأصحاب الحناجر الغليظة، وغشى الهوى العقول وخلت القلوب من الرحمة والتسامح وتشبعت بكراهية وبغضاء وشحناء حركتهم إلى النزول للعصيان والاقتتال وكسر إرادة الوطن والأهل وتركيع الآخر أو طرده أو تخوينه أو التحريض عليه، فتلك هي الفتنة التي تنجرف الدول والأمم إلى هاويتها وتجد نفسها على أبواب حرب أهلية كان أطرافها يظنون أنها بعيدة عنهم وأنهم قادرون عليها وعلى إطفاء نيرانها، لكن الخصوم والأعداء المتربصين بالوطن يأبون إلا أن تقف الفتنة على أعتاب أوطاننا وتمسك بتلابيبنا لتحرق النار الجميع، فتلك ضالة الأعداء وفرصتهم التي يقدمها لهم أبناء الوطن على طبق من ذهب!

كفانا الله وإياكم شرور الصراع والفتنة والشقاق وحفظ أوطاننا وأهلينا، وأسبغ عليهم نعمة التسامح والوحدة والأمن والمحبة والسلام والاستقرار.