تستقبل سلسلة متاجر «ليدل» الألمانية كرواتيا، أحدث عضو في الاتحاد الأوروبي، بتقديمها مجموعة من تخفيضات الأسعار. فظهرت على لوحات الإعلانات الكبيرة في مختلف أنحاء البلد عبارة: «أهلاً بكم في اتحاد من الأسعار المخفضة. فائدة أكبر لكم!». أما على رفوف المتاجر، فتقدّم الشركة «تخفيضات دائمة للاتحاد الأوروبي». ومن المتوقع أن يسدد انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي غداً في الأول من يوليو أن يسدد كلفة الإستراتيجية التسويقية. فعندما تسقط الحواجز عند الحدود في مطلع الأسبوع المقبل، يُسقط معها نحو 20% من الرسوم على منتجات الاتحاد الأوروبي.بما أن هذه المنتجات ستكتسب قدرة تنافسية أكبر في ليلة وضحاها، يعدّ المنتجون والمقاولون في مختلف أنحاء أوروبا العدة لهجوم على السوق الكرواتية. وستكون الشركات الألمانية أحد أبرز المستفيدين من التغيير، فسينعمون بنحو 4.4 ملايين مستهلك جديد يعشقون الماركات الألمانية، مثل Miele، فولكس فاغن، وأديداس. ولكن من المستبعد أن يستفيد البلد الصغير بحد ذاته من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على الأمد القصير. فقد عصفت بكرواتيا خلال السنوات الخمس الماضية أزمة اقتصادية عميقة، فدين الحكومة ينمو بسرعة، وخفَّضت وكالتا تصنيف السندات الكرواتية إلى أدنى المستويات. نتيجة لذلك، قد يُضطر البلد إلى طلب الإعانة من خزنات الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب.لكن فرحة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي خبت حتى في هذه الدولة الفتية نسبيًا على البحر الأدرياتيكي. لا نرى راهنًا أدلة تُذكر على التفاؤل. تُظهر استطلاعات الرأي أن 39% فقط يرحبون بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بعدما خاض الكرواتيون طوال عشر سنوات مفاوضات صعبة مع بروكسل. يذكر موظف في مصرف كان جالسًا في مقهى في العاصمة زغرب: {نشعر أننا متطفل وصل متأخرًا إلى الحفلة}.لا شك في أن كرواتيا، التي شكَّلت جزءاً من إمبراطورية هابسبورغ طوال قرون، تنتمي إلى أوروبا. لكن الأمل بتحقيق هذا الحلم الجميل بحمل خيرات أوروبا الغربية إلى هذا البلد قد تلاشى. حذّر الرئيس الكرواتي إيفو يوسيبوفيتش: {لا تتوقعوا معجزة}.خسارة المعركةمن المحتمل أن يتحول الحلم الأوروبي إلى كابوس بالنسبة إلى كثيرين. يعاني نحو نصف الشبان الكرواتيين من البطالة، مع ارتفاع معدل البطالة العام إلى 20%. لكن المنافسة القوية من دول الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى إقفال كثير من الشركات غير المتطورة نهائيًّا.تتولى نساء جالسات وراء مكتب في مركز للتوظيف في شارع زفونيميروفا في وسط مدينة زغرب مهمة تسجيل صفوف طويلة من الناس. تذكر شابة واقفة وسط الحشد أن عليها الاتصال بمركز التوظيف مرة كل شهر.كان كرونوسلاف أوستوييتش (43 سنة) يقرأ إعلانات الوظائف خارج مركز التوظيف. ولد أوستوييتش وتعلّم في ألمانيا، ثم شارك في الحرب الأهلية اليوغوسلافية. يقول: {أحب بلادي، لكنني أريد أن أعيش أيضاً}. تمكن مركز التوظيف ذات مرة من إيجاد وظيفة له كسائق سيارة أجرة في شركة كانت قد تخلفت عن سداد رواتب موظفيها طوال ثلاثة أشهر.ينتظر أوستوييتش حلول الأول من يوليو. يخبر: {سأغادر البلد}. فقد عرضت عليه العمل شركة لتركيب السطوح في غوسلار، بلدة في ولاية سكسونيا السفلى في شمال ألمانيا. إلا أنه يواجه صعوبة في الحصول على ترخيص عمل من السلطات الألمانية. صحيح أن البلغاريين والرومانيين سيتمكنون من العمل من دون أي قيود في ألمانيا بدءاً من عام 2014، لكن سيُضطر الكرواتيون إلى الانتظار سنتين إضافيتين.خسر ميلان كونسار وظيفته كخبير لوجستي في شركة {كونسار} للإلكترونيات في شهر أبريل الماضي. لكن إعانة البطالة ستنخفض الشهر المقبل إلى 35% فقط من راتبه الأخير بعد اقتطاع الضريبة، وستتوقف الإعانة بالكامل بعد مرور سنة. كان كونسار يعمل سابقًا في شركة تملك فيها الدولة أسهمًا تقع في منطقة مليئة بالأشجار في زغرب. وتشمل أعمال شركة {كونسار} بناء محطات الطاقة المائية والمولدات الكهربائية والقطارات الكهربائية الصغيرة.يبدو المستقبل قاتمًا. فقد خسرت شركات كرواتية كثيرة الصراع. فبسبب الأجور المرتفعة نسبيًّا ونقص الاستثمار في كرواتيا، واجهت صعوبة في منافسة الشركات الأوروبية. حتى اليونان وبلغاريا ورومانيا تبدو أفضل حالاً، وفق إحصاءات البنك الدولي.إمكانات غير مستغلةرغم ذلك، تتمتع كرواتيا بتاريخ صناعي طويل والكثير من العمال الذين يتمتعون بكفاءة عالية. يذكر البنك الألماني Deutsche Bank في دراسة جديدة أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، {على الأمد المتوسط}، قد يمنح الاقتصاد الكرواتي زخماً من خلال تحسين فرص دخول الأسواق الأوروبية، شرط أن تعالج كرواتيا أخيرًا مشاكلها البنيوية.في المقابل، لا تستغل كرواتيا إمكاناتها كاملاً. فلا يزال الفساد متفشيًّا، ويدافع عدد من أعضاء النخبة السياسية عن الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها. بالإضافة إلى ذلك، يعمل ثلث اليد العاملة في القطاع العام. ولا تزال مساحات شاسعة من الريف غير مستصلحة، ويعود ذلك في جزء منه إلى الرشاوى بين المسؤولين المحليين.يتمتع القطاع الغذائي وحده بمستقبل واعد. ينضج البرتقال اليوسفي في كرواتيا قبل أربعة أسابيع من أي مكان آخر في أوروبا. كذلك يعتبر محبو الكرز كرز ماراسكا الأفضل في العالم. وتنتج منطقة إيستريا كمية من الكمأ تعادل ما تنتج إيطاليا بأكملها. على رغم ذلك، قلما تصل المنتجات الكرواتية إلى الأسواق الأوروبية. حتى إن البلد الغني بجمال طبيعي فريد يتحوّل عادةً إلى مستورد كبير للمنتجات الغذائية في ذروة الموسم السياحي.يطلب السياح الألمان والإنكليز والإيطاليون الأوفياء، الذين يُعتبرون من أبرز مصادر المال بالنسبة إلى الكرواتيين راهنًا، المرح والمتعة والترفيه. ويعتقد الخبراء في قطاع السياحة، مثل غونثر نوبرت، مدير غرفة التجارة والصناعة الألمانية - الكرواتية، أن رحلات التنزه في الطبيعة وجولات تذوق الطعام قد تشكّل مصدر عائدات إضافيًّا خارج الموسم السياحي الرئيس، الذي يمتد بين شهرَي يوليو وأغسطس. لكن هذه الحماسة السياحية تصطدم غالباً بالريبة والشك من الجانب الكرواتي.المساعدة الأوروبية معدّة مسبقًالن تكون السياحة والزراعة كافيتين لتأمين مستوى معيشة مستقر للكرواتيين. تغاضى الاتحاد الأوروبي بإهمال عن المشاكل البنيوية التي تعانيها كرواتيا خلال المفاوضات. يؤكد أحد ممثلي الحكومة: {من الضروري تحرير الاقتصاد في الحال من قيود البيروقراطية}. لكن التجارب تُظهر أن الرغبة في التغيير سرعان ما تخبو بعد أن ينضم البلد إلى الاتحاد الأوروبي.سيكون على صناديق الاتحاد الأوروبي أن تدفع المال مجدداً. نتيجة لذلك، سيخصص الاتحاد الأوروبي لكرواتيا هذه السنة 655 مليون يورو (860 مليون دولار)، أي نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا البلد. وقد خُصصت أيضاً 13.7 مليار يورو لتدابير التكيّف والتعديلات بين عامَي 2014 و2020. كذلك أنشأ الكرواتيون وزارة منفصلة يديرها نائب رئيس الوزراء هدفها توزيع أموال الاتحاد الأوروبي. تريد كرواتيا استخدام الأموال لتجديد خطوط سكة الحديد. وفي غضون خمس سنوات، سيرفرف علم الاتحاد الأوروبي أيضاً أمام عدد كبير من مصانع معالجة مياه الصرف الصحي الجديدة.ولكن هل يساهم هذا النوع من المساعدة في تقدم البلد؟ يعتبر الكرواتيون أن الأهم من تمويل مصانع معالجة مياه الصرف الصحي بناء جسر فوق البحر الأدرياتيكي. فقد فُصلت دوبروفنيك وجزء من اليابسة على طول الساحل عن سائر الأراضي الكرواتية لأن دولة البوسنة والهرسك أرادت منفذها الخاص إلى البحر خلال مفاوضات السلام التي أنهت الحرب الأهلية. وبما أنه سيمر بعض الوقت قبل أن تصبح البوسنة جزءاً من الاتحاد الأوروبي، يُضطر الناس والسلع إلى عبور حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية مرتين قبل أن يبلغوا دوبروفنيك.لهذا السبب ترغب كرواتيا من الاتحاد الأوروبي في أن يموّل بناء جسر من شبه جزيرة بيلييساك قبالة شاطئ دلماسيا. هكذا لا يعود الكرواتيون مضطرين إلى عبور الأراضي البوسنية، بلد يعتبرونه معادياً. حتى إن الخبراء في بروكسل يفكرون جدّيّاً في إقامة نفق.
توابل - EXTRA
كرواتيا انضمت إلى الاتحاد الأوروبي... غياب الفرحة
30-06-2013