بدأت في مقاليّ السابقين الحديث عن مظاهر الانحرافات الأخلاقية المنتشرة في المجتمع والمقبولة اجتماعياً وكيف أنها تبرز التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال، وانتهيت إلى أن أحد أسباب هذا التناقض هو جهل الكثيرين بمعنى الأخلاق ونطاق الفعل الأخلاقي وما الذي يحول أي سلوك إلى قضية أخلاقية.

Ad

يعرف علم الأخلاق بصورة عامة على أنه دراسة وتقييم السلوك الإنساني والطبائع الشخصية. وبما أنه يمدنا بأدوات لتقييم السلوك فهو بهذا المعنى يعتبر دراسة معيارية للخير والشر أو السلوك الصائب والسلوك الخاطئ، فهو يحدد المعايير التي على أساسها نحكم على السلوك سواء سلوكنا الخاص أم سلوك الآخرين. وبهذا المعنى لا تأخذ كل السلوكيات الإنسانية صبغة أخلاقية بل ما يميز الفعل الأخلاقي عن غيره من الأفعال هو محتواه.

يأخذ السلوك الإنساني صبغة أخلاقية إذا كان متعلقاً بالحقوق والواجبات، مصالح البشر، إذا كان يسبب ألماً أو معاناة، إذا كان متعلقاً بسمات أو طبائع في الشخصية الإنسانية. فالغش مثلاً يعتبر قضية أخلاقية لأنه يسبب الأذى للآخرين، ولأنه يتضمن خداعاً، ولأنه غير عادل لمن لا يغش، ولأنه خرق لقيم أخلاقية مثل الصدق والعدالة، ولأنه طبع سيئ ويعتبر من سمات الشخصية السيئة. وكذلك هو الموقف من أحكام المحكمة الدستورية.

الفكرة من وجود المؤسسة القضائية هي الفصل في المنازعات، ودور المحكمة الدستورية هو الفصل في الخلاف حول تفسير مواد الدستور. فمن الطبيعي أن يختلف البشر في تفسير النصوص الدستورية كما اختلفوا في تفسير النصوص الدينية، ومن الطبيعي أن يقتنع كل طرف بأن فهمه هو الصحيح وأن الحق معه وأن الآخرين على خطأ، إلا أن الحكم في النهاية هو لمن لديه السلطة في حسم هذا الخلاف، نعلم أن القضاة بشر وأن البشر خطاءون، وقد يعجبنا الحكم خصوصاً إن جاء مفصلاً على مقاسنا وقد يكون لنا تقدير مخالف إن جاء في اتجاه معاكس فالاجتهادات متباينة، لكننا في كل الأحوال لدينا التزام أخلاقي بقبول الحكم وتنفيذه أيا كان رأينا فيه (ويجب التمييز هنا بين انتقاد الحكم والتشكيك فيه) لأن لدينا واجباً أخلاقياً كمواطنين للالتزام بالقانون وبالدستور الذي تنص المادة 173 منه على إعطاء المحكمة الدستورية سلطة الفصل في حالة النزاع حول دستورية القوانين.

أما الدعوة لاحترام الدستور وتعزيز دولة المؤسسات وتطبيق القانون في الوقت الذي لا نحترم فيه أياً مما سبق إن جاء خلاف ما نهوى فما هو إلا تناقض بين القناعات والممارسات ومظهر جلي من مظاهر الانحراف الأخلاقي.