يمكن أن يتحدث المدافعون عن هذا التدخل عن نموذج آخر يتعلق بالحملة الهادئة التي أطلقتها الولايات المتحدة طوال نصف العقد الماضي ضد الجماعات الجهادية في الصومال. لكن لم يتضح بعد ما إذا كنا نستطيع التأكيد على نجاح حملة الصومال.

بدأ الحديث عن الصومال كنموذج للتدخل العسكري المستقبلي في الوقت الذي تشهد فيه الجماعات الجهادية (على رأسها «القاعدة») تطوراً ملحوظاً. منذ مقتل أسامة بن لادن، واجهت قيادة «القاعدة» المركزية في باكستان حملة استنزاف قوية، وقد حصلت في معظمها نتيجة استعمال الطائرات الأميركية بلا طيار. مع ذلك، قد يتبين أن قيادة «القاعدة» أقوى مما يظن معظم المراقبين. لكن في الوقت الراهن، يبدو أنها تراجعت موقتاً بينما عادت فروعها وعناصرها المتنقّلة إلى الواجهة.

Ad

لكن في هذه السنة، يبدو أن حركة «الشباب» فقدت السيطرة في الصومال بسبب عوامل عدة. فهي لم تنجح في التعامل مع الجفاف الذي ضرب القرن الإفريقي في صيف عام 2011، وقد تفاقمت الأزمة عند اتهام المنظمات الإنسانية بمحاولة نشر الديانة المسيحية وطردها من المناطق التي تسيطر عليها الحركة. كذلك، طورت الولايات المتحدة استراتيجية لكبح مكاسب حركة «الشباب»، وقد شملت دعم جهود مكافحة التمرد التي يبذلها الاتحاد الإفريقي، وتجنيد جماعات صومالية كي تنشط ضد المتطرفين، وبناء شبكة استخبارات صومالية محلية، وشن عمليات «قاضية» (عبر الطائرات بلا طيار بشكل أساسي) ضد قادة حركة «الشباب». حتى كينيا شاركت في الحملة المعادية لحركة «الشباب»، فشنّت عملية غزو خاصة بها في أكتوبر 2011.

لكنّ أبرز سؤال يُطرح راهناً يتعلق بحقيقة ما سيحصل في الصومال في المرحلة اللاحقة. صحيح أن حركة «الشباب» واجهت انتكاسات كبرى، لكن يبرز بعض العوامل المقلقة التي تشير إلى أن البعض يبالغ في تقدير حسنات نموذج الصومال.

على المدى الطويل، تبرز أسباب تدعو إلى التفاؤل والتشاؤم معاً. يتعلق أبرز سبب يدعو إلى التفاؤل بواقع أن حركة «الشباب» طبّقت سياسات شائبة في المناطق التي ضربها الجفاف والتي تقع تحت سيطرتها فغرقت تلك المناطق في المجاعة، ما خلّف مشاعر بغض عارمة تجاهها بعد سنوات من سوء الحكم. بسبب هذا الواقع، قد لا يسمح السكان لحركة «الشباب» بمتابعة التحرك بينهم. ثمة سبب آخر يدعو إلى التفاؤل: واجهت حركة «الشباب» انقساماً داخلياً في السنة الماضية وقد يسوء وضعها بعد خسارة كيسمايو.

في المقابل، ثمة أسباب تدعو إلى التشاؤم أيضاً. حين غزت إثيوبيا الصومال في عام 2006، استفادت من عامل المفاجأة وسيطرت على معظم أجزاء جنوب الصومال خلال أقل من 30 يوماً. في المقابل، كان تقدم الاتحاد الإفريقي نحو كيسمايو تدريجاً. احتفظت حركة «الشباب» بسيطرتها على الأراضي في جنوب الصومال طوال أشهر غداة هربها من كيسمايو، وقد اتضح ذلك لأن منطقة جوهر بقيت تحت سيطرة «الشباب» حتى 9 ديسمبر. لذا قد تتمكن حركة «الشباب» من الحفاظ على بعض نقاط قوتها وقد تحثّ قيادتها على التخطيط لعملية تمرد على المدى الطويل.

لا شك في أننا سنسمع المزيد عن الصومال باعتبارها نموذجاً يُحتذى به في الأشهر المقبلة (وقد تصبح كذلك فعلاً). يُشار إلى أن عملية الغزو الإثيوبية للصومال في عام 2006 نجحت خلال فترة قصيرة (قبل تجدد نشاطات التمرد)، لكن بالغ الجميع أيضاً في الحديث عن نجاح عمليات التدخل الأخرى في البداية. بدا وكأن حرب أفغانستان ستحقق نجاحاً باهراً بعد أن طرد التحالف الشمالي المدعوم من الولايات المتحدة طالبان سريعاً غداة اعتداءات 11 سبتمبر. لكن تبين أن منع عودة طالبان هي المهمة الأكثر صعوبة. وحتى حرب العراق بدت ناجحة جداً بعد انهيار نظام صدام حسين سريعاً.

خلال بضع سنوات، قد يتبين أن الحديث الراهن عن الصومال كنموذج ناجح كان في غير محله، فقد شكّل الحديث عن حرب العراق بهذه الطريقة في عام 2003 سابقة بارزة في إطار الحملات الأميركية لإسقاط الحكّام الدكتاتوريين في الشرق الأوسط.