لطالما نظرت إلى المشاركة في العملية الانتخابية بشيء من القداسة، كانت لي أثناءها طقوس عدة، زيارات يومية للمرشحين، مراجعات حثيثة لمعلوماتي عنهم، محاولات صادقة للتأييد والحشد حتى لهؤلاء الذين ليسوا في دائرتي. كانت المسألة بالنسبة إلي بالفعل عرساً كما جرى "الكليشيه"، أتحضر له فأرتدي أجمل أفكاري وأتزين بكل مبادئي غير القابلة للتطبيق في الأيام العادية، لأتهادى بها أمام الناس في هذه الفترة الاحتفالية، إلا أن النظام بحكومته أبى عليّ تلك الفرحة على رضاي بها بكل ما كان يشوبها من مشاكل وقصور وخلل، فأصدر مرسوماً يعزم فيه أهل المعرس فقط، حتى إن "العروسة" لم يكن مرحباً بها في حفلها، وانقسم أهل الكويت جميعاً حول هذه المسكينة التي تملأ "الماسكارا" وجهها الباكي، أهل عريس وأهل عروس، ليس بينهم سوى حزازات وضغينة.

Ad

إلا أنني مشتاقة فعلاً لحضور العرس، وعلى الرغم من "الطردة" فإنني أود العودة، فتلك هي فرصتي لتكون لي كلمة، لأشارك في صنع قرار المستقبل على ما نقول لأنفسنا، ولقد جاهدت نفسي منذ حكم المحكمة الدستورية ثم الإعلان عن موعد الانتخابات لأن أعود وأدوس على كرامتي وعلى يأسي وعلى المنطق الذي يحوم في رأسي، فقلت لنفسي على الرغم من أن المقاطعة لا تزال خياري الأول تعبيراً عن رفضي للصنيعة السياسية وما تبعها من صنائع اجتماعية واقتصادية وثقافية في الكويت، فإنني أريد أن أكون أكثر إيجابية، أفعل تغييراً باختيار من قد يأخذ خطوة مهما كانت صغيرة في طريق الإصلاح، ولربما أستطيع أن أتعلق بحبال حكم المحكمة الدستورية فأبرر لنفسي حضور العرس الذي لا يزال "صاحبه غايب"، ولربما تعلمنا الدرس من حالة الدوران في الدائرة المفرغة التي كنا عليها للسنوات العشر السابقة، فنجد طريقاً مستقيماً نمشي فيه، لربما حان وقت العودة والسلام على أهل المعرس، لربما.

وما إن بدأت التحضيرات حتى توالت أخبار العرس غير السارة، الصوت وصل إلى ألفي دينار، الفرعيات شغالة ليس فقط على مستوى القبائل ولكن حتى على مستوى الأسر "الحضرية" بصور ومسميات مختلفة، تحالفات مريضة، مال سياسي يغرق الساحة، وتصرفات حكومية تقول لك "لا تورينا وجهك في العرس". فمثلاً، خبر يوم السبت 13 يوليو لا علاقة مباشرة له بالانتخابات، إلا أنه مؤشر على نوعية الفكر السياسي الذي نتعامل معه، فالحكومة امتنعت عن تعيين وكيلات للنيابة بانتظار "فتاوى شرعية" تجيز الخطوة.

 في دولة الكويت المدنية، وبخصوص وظيفة قانونية بحتة لا علاقة لها بالشريعة من قرب أو بعد، تنتظر الحكومة فتوى شرعية لتعين نساء في مناصبهن المستحقة. ألم يكن الغرض من الصوت الواحد كما كان يقال هو إبعاد الأطراف الإسلامية والقبلية المتطرفة؟ ألم تعزل هذه الأطراف حقيقة وتركت لكم الساحة تخططون أرضياتها بالإنتاجية والمدنية والممارسات السياسية النظيفة؟ أين النتاج؟ وما بال الفرعيات والمال السياسي وآخرتها "الورع الزائف" يلطخون وجه حياتنا السياسية؟

بودي والله أن أحضر عرسكم هذا الذي "باخ" و"ماعت" سفرة طعامه، ولكنكم تتصرفون مثل "الحماة" الشريرة، تقيم الحفل لتستعرض قواها وتكسر شوكة أهل العروس، فمتى تخافون الله في المعازيم وتتركوننا نحتفل بسلام؟