انقلب الجدل القائم حول السياسة المناسبة تجاه سورية رأساً على عقب بعد الكشف في الأسبوع الماضي عن دعم وزير الدفاع ليون بانيتا ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، للاقتراح الذي قدمه مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق ديفيد بتريوس ووزيرة الخارجية الأميركية المنتهية ولايتها هيلاري كلينتون بتسليح الثوار السوريين المعتدلين.

تشعر الأوساط السياسية السورية، التي كانت تريد في معظمها حصول تحرك أميركي أكثر عدائية، بالسخط تجاه البيت الأبيض لأنه رفض هذه الخطة، لكن يبدو أن العملية المشتركة بين الوكالات المعنية نجحت هذه المرة على غير عادة: فهي درست ورفضت الخطة التي اعتُبرت فاشلة وفق استنتاجات معظم التحليلات المكثفة.

Ad

بسبب فشل الدبلوماسية الأميركية في إنهاء الأهوال الحاصلة في سورية، توجهت الأوساط السياسية للبحث عن حل بديل فاعل، لكن لطالما كان تسليح الثوار "خياراً ثالثاً" تقليدياً.

 يدرك جميع البيروقراطيين الحيلة التي تقضي بتقديم ثلاثة خيارات: الامتناع عن التحرك، أو تقديم اقتراح غريب يسهل رفضه، وأخيراً طرح حل منطقي ووسطي يسمح لصانعي القرار بتخيّل أنهم بدأوا يحلّون المشكلة.

في هذه الحالة، تكون فرصة نجاح "الخيار الثالث" أمراً ثانوياً، فإذا أردنا استرجاع مثال عن طريقة سير الأمور في هذا المجال، يمكن أن نذكر خطوة "زيادة القوات العسكرية في أفغانستان"، فقد كانت تلك الخطة تفتقر إلى أي نظرية منطقية حول حجم فاعليتها.

 في سورية، سيؤدي تسليح الثوار على الأرجح إلى دفع الرئيس إلى محاولة حل الأزمة سلمياً بعد ستة أشهر، تزامناً مع احتدام المعركة واستمرار عجز الثوار عن إنهاء الصراع لمصلحتهم، وفي تلك المرحلة، سيواجه الرئيس قراراً أصعب بكثير. الخيار الأول: الاستسلام وحمل وصمة عار دائمة بعد الانسحاب والهرب. الخيار الثاني: تنفيذ تدخل عسكري شامل، لكن سيتم رفض هذا الاقتراح طبعاً. الخيار الثالث: تصعيد الوضع عبر خليط من التدابير التي تشمل فرض حظر جوي وشن حملة قصف وإنشاء مناطق آمنة.

حين بدأ هذا الجدل منذ سنة تقريباً، توقعتُ أن تميل الخيارات السياسية نحو تسليح الثوار كأسهل طريقة للإيحاء بالتحرك (حتى لو لم يصدق أحد أن هذه الخطوة ستنجح). لا يفاجئني أن يميل بتريوس أو كلينتون أو بانيتا إلى تأييد هذا الخيار، ولا يفاجئني طبعاً أن يتم الكشف عن موقفهم السياسي المفضل بشكل سحري في وسائل الإعلام بعد إخفائه في السابق، لكنّ ما يفاجئني فعلاً هو أن البيت الأبيض نجح في إعاقة هذا الخيار منذ البداية.

في الأسبوع الماضي، طرح مايكل دوران وسلمان شيخ أقوى الحجج التي تبرر تسليح الثوار، وهي تستحق القراءة فعلاً، لكن حتى بالنسبة إليهما، هل كان هذا الاقتراح خيارهما الأساسي منذ البداية- أي ذلك الخيار الذي سيحقق أكبر نجاح ممكن بحسب رأيهما؟ إليكم ما كتبه دوران وشيخ، إلى جانب زميلين لهما من معهد "بروكينغز"، منذ 11 شهراً:

فبينما يعج التاريخ بحالات شهدت إقدام الدول على تسليح جماعات المعارضة من أجل إضعاف خصومها، تقل الحالات السابقة التي نجحت خلالها المعارضة في تغيير النظام سريعاً... في معظم الحالات، يؤدي دعم المعارضة إلى حصر نفوذ القوى المحلية وتعزيز الفوضى لكن من دون إسقاط النظام... قد تقرر الولايات المتحدة في النهاية تسليح المعارضة مع أنها تعلم أن المعارضين لن يحصلوا مطلقاً على القوة الكافية لتفكيك شبكة الأسد. قد تختار واشنطن القيام بذلك بكل بساطة على اعتبار أن توفير بعض الإمكانات إلى شعب مقموع لمقاومة قامعيه هو أفضل من عدم تحريك أي ساكن، حتى لو تراجعت فرصة نجاح ذلك الدعم في تحويل الهزيمة إلى انتصار.

كحل بديل، قد تعتبر الولايات المتحدة أن الوضع لا يزال يسمح بمحاصرة نظام الأسد واستنزافه، ما يعني إضعاف خصم إقليمي وتجنب تكاليف التدخل المباشر... لكنّ ارتباط الولايات المتحدة بحلفاء في المعارضة سيصعّب عليها الانسحاب من ذلك التحالف ومن سورية إذا تابعت المعارضة مواجهة الانتكاسات أو أعمال القتل على يد قوات النظام، وهو أمر متوقع؛ لذا ستزداد الضغوط من أجل تبني خيارات لها كلفة أعلى... هذا التحليل صحيح بالفعل.

في أغسطس 2012، حذر زميلهم من معهد "بروكينغز"، كين بولاك، من أن "مساعدة المعارضة على "الفوز" قد تؤدي في النهاية إلى نشوء وضع يشبه أفغانستان في عام 2001".

تتماشى استنتاجاتهم التشاؤمية مع الإجماع الأكاديمي القائل إن "الحروب الأهلية التي تترافق مع تدخل خارجي تدوم لفترة أطول، وتؤدي إلى سقوط عدد أكبر من القتلى، ويكون حلها أصعب عبر التفاوض".

يصعب ذكر مثال واحد في التاريخ الحديث عن نجاح استراتيجية تسليح الثوار. في المقابل، تتعدد الأمثلة عن توفير الأسلحة إلى الثوار، سراً أو علناً، وتصعيد حدة الصراع، وتكثر الحالات التي يستولي فيها الثوار بكل سعادة على الأموال والأسلحة "لمحاربة الشيوعيين" (أو أي طرف آخر) ثم القيام بما يريدونه، فلا يعني ذلك أن هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تنجح في سورية، لكنّ التاريخ ليس إلى جانبها.

هكذا كان الوضع حينها، لكن ما هو الوضع الراهن؟ يعتبر عدد من المحللين البارزين، بدءاً من ستيفن هايدمان وصولاً إلى سلمان شيخ، أن عسكرة الوضع يدعو الولايات المتحدة إلى إدارة الأحداث وتسريع موعد اللعبة النهائية وكسب النفوذ في أوساط المعارضة السورية من خلال أداء دور قيادي في توجيه تدفق الأسلحة.

ربما كان روبن ياسين كساب محقاً حين اعتبر أن أحداً لم يجرب من قبل مقاربة تسليح المعتدلين، لكن لا يمكن إنكار تدفق الأسلحة إلى البلد وتحول الساحة السورية إلى منطقة عسكرية بمعنى الكلمة. لا يمكن إنقاذ أي عملية سياسية هناك: سبق أن عاد الناخبون السوريون المترددون إلى دعم النظام، ويستمر تدفق الأسلحة، ويتخذ المسلحون القرارات الحاسمة، وقد ترسخ اقتصاد سياسي جديد للثوار.

في هذا السياق، يتفوق تدفق الأسلحة المنسّق على تدفق الأسلحة غير المنسّق، لكني أشك في أن يكون القرار الأميركي بخوض تلك اللعبة مفيداً. قد يساهم توفير الأسلحة والأموال في شراء النفوذ في الوقت الراهن، لكنّ هذه الخطة لا تشتري الحب ولا تضمن توحيد القيم أو الأولويات، وتقدم التقارير الصادرة من داخل سورية معلومات دائمة عن نشوء ظاهرة "أمراء الحرب"، ويتوق القادة المحليون إلى تلقي العروض من الرعاة الخارجيين. بالتالي، يعني تسليح وتمويل الميليشيات واستئجارها إلى أن تتلقى عرضاً أفضل.

يمكن أن تدخل الولايات المتحدة طبعاً في هذه السوق المكتظة، لكن لا شيء يؤكد أن واشنطن ستهيمن على تلك السوق أو ستغير أنماطها بشكل جذري. هي لن تجعل الجماعات الإسلامية المرتبطة بتنظيم "القاعدة" تختفي، فقد استغل عناصرها فرصة إطلاق حملة جهادية ولن يغادروا لمجرد أن الولايات المتحدة قررت مطاردتهم. كذلك، لم يتضح بعد ما يجعل الأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة أفضل أو أكثر جاذبية من أسلحة الخليج، لا سيما إذا ترافقت أسلحتنا مع تعليمات حول حقوق الإنسان وضوابط سياسية غير مؤاتية.

يريد الجميع إيجاد طريقة لإنهاء أعمال القتل في سورية، لكن تقل الأسباب التي تثبت أن تسليح الثوار من جانب الولايات المتحدة سيحقق ذلك الهدف. كانت إدارة الرئيس باراك أوباما محقة حين ركزت على غربلة قادة المعارضة وحاولت إنشاء مظلة سياسية فاعلة بدل فتح خط لتمرير أسلحة إلى الثوار.

لا يعني ذلك أن الولايات المتحدة لا تستطيع بذل المزيد، وأظن أن الإدارة فوّتت فرصة مهمة لنقل المساعدات الإنسانية والدعم غير العسكري سريعاً عبر الائتلاف الوطني الذي ساهمت في تأسيسه، وذلك من أجل منح أعضائه ما يقدمونه للسوريين ميدانياً. يجب أن تكون معالجة هذه المسألة على رأس الأولويات، وتدعو الأزمة المتفاقمة أكثر من أي وقت مضى في سورية إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية الدولية الفاعلة، وتوسيع الدعم الإنساني للاجئين والمهجّرين، وتعزيز العمل على تقوية البنى السياسية للمعارضة. يجب تركيز الجهود على مبادرات مماثلة بدل الاتكال على "خيار ثالث" غير مدروس قد يجر الولايات المتحدة إلى صراع معقد لا يمكن الفوز به.