يضم الماراثون الرمضاني أعمالاً درامية صوّرت الحارة الشعبية بشكل مختلف في ما بينها، لجهة رصد ملامحها وطموحات أهلها وسكانها التي اصطدمت بالواقع. إلى أي مدى نقلت هذه النوعية من الدراما واقع الحارة الشعبية بمصداقية، ولماذا يعشق المؤلفون كتابة موضوعات عنها؟

Ad

من أبرز المسلسلات المصرية التي ألقت الضوء على الحارة الشعبية «خرم إبرة» تأليف حسين الدهشان، إخراج إبراهيم فخر، وبطولة عمرو سعد، «البلطجي» تأليف أسامة نور الدين، إخراج خالد الحجر، وبطولة آسر ياسين، «طرف ثالث» تأليف هشام هلال، إخراج محمد بكير، وبطولة مجموعة من النجوم الشباب، «ابن موت»، إخراج سمير سيف، بطولة خالد النبوي وعلا غانم.

صراع طبقات

توضح الفنانة مي سليم التي تشارك في «حارة 5 نجوم» أن المؤلف سيد الغضبان اقترب من واقع الحارة المصرية الأصيلة، ولمست في الأحداث عودة إلى روح أبناء البلد وأخلاقهم، لذا تحمست للمشاركة فيه.

تضيف أن العمل يناهض فكرة الطبقية التي يعانيها سكان الحارات، من خلال قصة حب تعيشها مع ابن عمها الفقير (أحمد عزمي) وترفضها والدتها الارستقراطية المتعالية وتحاول إفشالها بالطرق كافة، كذلك عبر مساعدتها أهالي «حارة 5 نجوم» التي نشأ فيها والدها، لأنها تكره التفكير الطبقي وتحاول نشر الخير في كل مكان.

المخرج سامح عبد العزيز الذي قدم مسلسل «الحارة» منذ عامين، يرى أن اختلاف وجهات نظر القيّمين على هذه الأعمال الدرامية يمنع الحكم العام عليها، لافتاً إلى أنها «تختلف في معالجتها للحارة سواء بشكل سطحي أو برؤية معمقة في تفاصيلها، وبالطبع يتأثر المشاهد بالأعمال التي تتمتّع بمصداقية ويدفعها إلى الأمام، وقد يكون ذلك سبباً في تقدم هذه النوعية من الدراما».

يضيف عبد العزيز أن الحارة لم تختلف عمّا كانت عليه قديماً، إنما يكمن الفرق في طبيعة المعالجة، والمخرج هو الذي يملك الفصل وتحديد الشكل الذي يريد إخراج العمل به.

يعزو عبد العزيز عشق الجمهور هذه الدراما إلى قربها من بيئته وثقافته وهمومه؛ «فهو لا يريد أعمالاً تستفزه كالتي تتحدث عن الملايين في ظل وجود فقراء لا يملكون ثمن وجبة واحدة، أو التي تعرض مشاهد مطاردات مع ازدحام الشوارع. يقود الانفصال عن الواقع إلى نتائج عكسية في حين يمنح القرب منه أملا».

اختفاء الحارة

يتساءل المخرج عمر عبدالعزيز: «أين هي الحارة الشعبية؟»، مشيراً إلى أن الحارة التي عرضها المخرج صلاح أبو سيف في أفلامه اختفت عن الواقع الذي تعيشه الأحياء المصرية الآن، واختفت معها شخصيات مثل «ابن البلد» وكبير المنطقة الذي كان يُعمل له ألف حساب، فتحوّل الاحترام إلى سخرية من استمرار وجودها.

يضيف عبد العزيز أن تغير مظاهر الحارة في الواقع أدى إلى تغيرها في الدراما، كون الأخيرة لا تأتي بأحداث من الخيال إنما من الواقع. ويلاحظ أن مصر في الأربعين سنة الأخيرة مرّت بمراحل تشويه طاولت أجيالاً، وتسببت بفقدانها الانتماء الوطني، سوء الأخلاق وإطلاق ألفاظ مشينة في المناسبات والظروف، حتى الأطفال أصبحوا غير مهذبين.

يرفض عمر عبد العزيز الحكم على المسلسلات الشعبية حتى ينتهي عرضها لأن التسرع يظلمها، «قد يظهر حدث في آخر حلقة يقلب الأحداث رأساً على عقب»، لكنه يلاحظ أن بعضها حوّل حواري مصر إلى مثيلتها في شيكاغو، فيخيل للمشاهد أنه يتابع فيلماً أميركياً يصعد فيه الأبطال أسوار البيوت ويمارسون البلطجة على المارة، لافتاً إلى أن الضعف الذي وصلت إليه هذه المسلسلات يرجع إلى فقر الورق أي القصص، «أساس العمل التلفزيوني هو الموضوع، ويؤدي الاستسهال إلى خروج أعمال دون المستوى، مع ذلك يتابعها الجمهور لعشقه للشخصية الشريرة ورفضه مسلسلات القصور».

حالة إنسانيّة

ترى الناقدة ماجدة موريس أن خمسة أعمال فقط من مجموع ما يُعرض في رمضان تعكس صورة متميزة عن الحارة الشعبية، «على رغم أن كل عمل منها غير مكتمل الجوانب، إلا أنها في مجملها تكمّل بعضها لإعطاء صورة شاملة ليس عن الحارة كمكان فحسب وإنما كحالة إنسانية أيضاً».

تضيف: «يُظهر «البلطجي» ما يحدث في الحارة من مشكلات تقود إلى خلافات بين أهلها في ظل وجود بلطجية يحمون هذه الخلافات وفقاً لمصالحهم، فيما يصوّر «طرف ثالث» العلاقة بين سكان الحارة وبعض المنتمين إلى الطبقة العليا من رموز الفساد في العهد الماضي. أما «ابن موت» فهو الأكثر تأثراً بالحارة كمنطقة يعيش فيها شاب يسعى إلى تحقيق أحلامه بالسبُل كافة، ويعرض «خرم إبرة» الحارة من زاوية مختلفة، ويعكس «شربات لوز طموح امرأة لتأمين مستوى حياة أفضل لعائلتها.

تلاحظ موريس أن هذه النوعية من المسلسلات تجيب عن أسئلة منها: ماذا فعلت الحارة بسكانها؟ كيف ضاقت عليهم حتى فكروا في الهروب منها إلى الخارج لتحقيق أحلامهم؟

توضح أن الكتّاب اعتمدوا ثيمة الطموح ورغبة الشباب في الهروب من الحارة، بعدما شعروا بنظرة ذوي الطبقات الارستقراطية الدونية إليهم واعتقاد البعض أنه من السهل التأثير عليهم وشرائهم لارتباط بيئتهم بالفقر.

تضيف موريس أن اختفاء السلوكيات والعلاقات الدافئة بين الناس وتكاتفهم مع بعضهم، وراء الاختلاف بين مسلسلي «ليالي الحلمية» و{البلطجي» على سبيل المثال، مع ذلك يتابع المصريون هذه النوعية بشغف لأنها تعرض جزءاً مهماً من حياتهم.

تؤكد أنه إذا قُدّمت هذه الأعمال بشكل جيد مع التزامها بالصدق فستلفت اهتمام المشاهد، كون الحارة تؤثر على أهلها كما تؤثر على من هجروها.