رسم تقرير أصدرته شركة "بيتك للأبحاث" المحدودة التابعة لمجموعة بيت التمويل الكويتي (بيتك) صورة متفائلة للاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة بعد استقرار الأوضاع في أعقاب ثورة يناير وما تلاها من اضطراب سياسي والوعود بتقديم مساعدات من بعض دول الخليج العربية خاصة السعودية وقطر، إضافة إلى تدفق محدود للاستثمارات الغربية وزيارة وفد استثماري اميركى للقاهرة، مع بذل جهود حثيثة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليارات دولار.

Ad

وذكر التقرير أن الاقتصاد المصري مازال يواجه تحديات عجز الموازنة المتفاقم وانخفاض الاحتياطي الاجنبي وارتفاع تكلفة توفير المواد الأساسية بالإضافة إلى تأثير أزمة الديون الأوروبية باعتبار أهمية أوروبا كشريك تجاري كبير، كما أن السوق العقاري مازال يواجه بعض المشكلات خاصة في التمويل وانخفاض المبيعات.

لكن التقرير توقع أن يرتفع معدل النمو العام المقبل إلى 3.5 في المئة وان تشهد مصر خلال السنوات المقبلة المزيد من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وتحسين وتسريع برنامج الخصخصة وفتح الاقتصاد أمام المستثمرين الأجانب في مجالات مثل الاتصالات والمصارف، وفي ما يلي تفاصيل التقرير:

تباطأ النمو السنوي الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي ليصل إلى 1.8 في المئة على أساس سنوي في عام 2011 من 5.1 في المئة على أساس سنوي في عام 2010، في أعقاب الثورة والاضطرابات السياسية التي تلتها البلاد. وفي الوقت نفسه تدهورت البيئة الخارجية إلى حد كبير خاصة مع أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو حيث يستأثر الاتحاد الأوروبي بما يقرب من ثلث الصادرات المصرية، وذلك يضخم الآثار السلبية على حركة التجارة وأسعار السلع الأساسية وحركة السياحة وتدفقات رأس المال والصادرات الحيوية الأخرى. ومع ذلك، يتوقع أن يتحسن نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي في مصر بنسبة 2 في المئة في عام 2012، فيما يتوقع أن يسجل في عام 2013 نموا على أساس سنوي بنسبة 3.5 في المئة، حيث ستوفر الإصلاحات السياسية والاقتصادية في مصر المزيد من الفرص الاقتصادية المتكافئة، كما سيسهل الحصول على الائتمان من خلال تعزيز البنى التحتية في الأسواق المالية وتعزيز بيئة الأعمال.

ونتوقع من الحكومة الجديدة تحفيز ودفع المزيد من برامج الإصلاح الاقتصادي التي تؤدي إلى زيادة دعم الاقتصاد. وكانت هناك بعض التطورات الإيجابية الاقتصادية، منها استمرار ارتفاع مؤشر سوق الأسهم إلى أعلى مستوى له منذ يونيو 2011، بنحو ثلاثة أضعاف أدائه السنوي لعام 2011. حيث ارتفع مؤشر EGX 30 بنسبة 29.7 في المئة ليصل إلى 5731.8 نقطة كما في سبتمبر 2012 من 4419 نقطة في يونيو 2011.

ويشار إلى أن مؤشر EGX 30 هو مؤشر القيمة السوقية للأسهم الحرة المرجح لرأس المال الى أعلى 30 سهما من ناحية القيمة السوقية والسيولة في البورصة المصرية. ومن دواعي التفاؤل أن هناك توقعات بالعديد من المساعدات الخارجية فضلا عن عودة الطلب للارتفاع، بالإضافة إلى تعهدات سابقة بمساعدات من كل المملكة العربية السعودية وقطر والبنك الإسلامي للتنمية تبلغ مجتمعة 5 مليارات دولار، فيما لاتزال هناك محادثات مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار تسير بشكل جيد مع توجه فريق من البنك إلى القاهرة الشهر الماضي (سبتمبر 2012)، ومن المحتمل أن يتم التوصل الى اتفاق في غضون شهرين. فيما تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات بقيمة 900 مليون دولار هذا الشهر، في حين أن مصر تجري محادثات أيضا مع البنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية. ونتيجة لبعض من هذه المساعدات ومبيعات أذون الخزانة، فان إجمالي الاحتياطيات الأجنبية الرسمية شهد زيادة بمقدار 700 مليون دولار ليصل إلى 15.1 مليار دولار في أغسطس 2012.

وعلاوة على ذلك، فقد تعهد وفد كبير ورفيع المستوى من المسؤولين الأميركيين ورجال الأعمال بتعزيز الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع مصر. وكان وفد من الولايات المتحدة مكون من مسؤولين رفيعي المستوى من وزارة الخارجية ومسؤولين في البيت الأبيض برفقة ممثلين عن عشرات من كبريات الشركات الأميركية قد اجتمعوا في القاهرة مع نظرائهم المصريين للتباحث حول المسائل التجارية والاقتصادية فيما يوصف بأنه أكبر وفد يزور القاهرة في رحلة من هذا النوع.

يذكر أن الحكومة المنتخبة حديثا جعلت تنشيط الاقتصاد المصري أحد أهم أولوياتها.

وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر في عام 2011، وسجلت التدفقات مبلغ 482.7 مليون دولار، وذلك انخفاضا من 6.4 مليارات دولار في عام 2010. ومع ذلك، فان مصر ستشهد خلال السنوات المقبلة المزيد من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وتحسين وتسريع برنامج الخصخصة وفتح الاقتصاد أمام المستثمرين الأجانب في مجالات مثل الاتصالات والمصارف.

وقد أصدر البنك المركزي المصري أرقام ميزان المدفوعات للسنة المالية 2011/2012 (1 يوليو 2011 إلى 30 يونيو 2012)، والتي تبين وجود عجز عام بمبلغ 11.3 مليار دولار، ليصل إجمالي  العجز خلال السنتين الماليتين الماضيتين إلى ما يزيد قليلا عن 21 مليار دولار.

وكان العجز في الحساب الجاري للسنة المالية 2011/2012 قد سجل 7.9 مليارات دولار، حيث لم يكن ارتفاع التحويلات المالية كافياً لتعويض العجز التجاري المتزايد وانخفاض الدخل السياحي. وبالنظر الى حساب رأس المال، فانه يظهر بعض الأدلة على حدوث انتعاش في ثقة المستثمرين الأجانب، حيث بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر 2.1 مليار دولار، ويعتقد أن الكثير منها قد جاء في الربع الأخير على الأرجح، حيث أظهرت الأرقام المؤقتة السابقة لصافي التدفقات من الاستثمار الأجنبي المباشر انها سجلت 218 مليون دولار فقط في الأرباع الثلاثة الأولى من السنة المالية (يذكر أن البنك المركزي لم يصدر بعد أرقامه للربع الرابع على حدة).

وأما بالنسبة للسنة المالية 2010/2011، فان معظم مجموع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر والبالغة 2.2 مليار دولار جاء في النصف الأول من السنة المالية، قبل الثورة التي حدثت مطلع عام 2011.

وشهدت محفظة الاستثمار زيادة في صافي التدفقات الخارجية لتصل الى 5 مليارات دولار للسنة المالية 2011/2012، وذلك ارتفاعا من 2.6 مليار دولار في العام السابق، ولكن الأرقام في الارباع الثلاثة الأولى تشير إلى تدفقات بنحو 400 مليون دولار فقط في الربع الرابع، مقارنة بصافي تدفقات للخارج بمبلغ 7.1 مليارات دولار في الفترة من يناير إلى يونيو 2010.

والاستقرار الذي حدث مؤخراً في احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي، وسط التوقعات بتدفقات أقوى من الأموال من الجهات المانحة في الخليج العربي، إضافة الى التفاوض حول اتفاقية تمويلية مع صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليارات دولار، يشير إلى أداء أقوى في ميزان المدفوعات للسنة المالية 2012/2013.

التضخم وتوقعات السياسة النقدية

ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 1.2 في المئة على اساس شهري في أغسطس 2012، مما دفع معدل التضخم السنوي إلى الارتفاع قليلا ليبلغ 6.5 في المئة على أساس سنوي من مستواه في يوليو، والذي سجل فيه اقل معدل للتضخم في ست سنوات في يوليو عند 6.4 في المئة على أساس سنوي. وتعزى هذه الزيادة الشهرية إلى حد كبير نتيجة للتقلبات في اسعار المواد الغذائية، نتيجة لارتفاع أسعار الخضراوات الطازجة. وفي الواقع، فإن معظم فئات الأسعار الأخرى بقيت مستقرة خلال الشهر.

ويذكر أن البنك المركزي متردد في خفض سعر الإقراض الرئيسي من المستوى الحالي عند 9.25 في المئة بسبب المخاوف من ارتفاع الأغذية عالميا وكذلك أسعار النفط. وعلى الرغم من التكهنات بزيادة وتيرة أسعار السلع الأساسية بصورة ملائمة في عام 2013 واستمرار ضعف الاقتصاد، فإننا نتوقع انخفاض متوسط التضخم إلى 7.3 في المئة في عام 2013 بعد معدل 7.4 في المئة لهذا العام عند (منذ بداية السنة حتى الآن: 8 في المئة، ومتوسط التضخم في عام 2011: 10.1 في المئة).  ومع استقرار الوضع السياسي والاقتصادي، فان من المرجح أن يبدأ البنك المركزي بعض عمليات التخفيف في أسعار الفائدة من عام 2013. وقد يقوم برفع أسعار الفائدة لاحقا في عام 2016 مع تسارع النمو الاقتصادي العالمي وبدء أسعار السلع الأساسية في الارتفاع.

توقعات الإسكان

نظراً للازدحام الذي تعانيه مدينة القاهرة، يتجه معظم السكان من أصحاب الدخول المرتفعة وفوق المتوسطة إلى الضواحي. ونتيجة لهذه الهجرة، ارتفع الطلب على العقارات قيد الإنشاء بعد أن شهدت حالة من الركود في هذه المناطق لتصل إلى حوالي 35,000 وحدة سكنية في مناطق شرق وغرب القاهرة. وقد لاحظنا أن وكلاء العقارات يتوقعون أن يدخل السوق ما بين 50,000 إلى 70,000 وحدة سكنية جديدة من الآن وحتى عام 2015 ولكننا نرى أن هذا العدد لن يدخل السوق في الفترة المشار إليها حيث أصبح مطورو العقارات أكثر حذراً في إطلاق مشاريعهم الجديدة.

ومن الجدير بالذكر أنه في سوق العقارات المبيعة تحت الإنشاء أو التي ستنشأ مستقبلاً، ربما يكون العرض مساوياً للطلب على نحو فعال باستثناء إلغاء الوحدات المباعة نظراً لأن المطورين لا يبنون وحدات جديدة قبل أن يقوموا ببيعها. كما نرى أن مبيعات الوحدات السكنية الجديدة ستشهد تباطؤ على المدى المتوسط مما يؤدي بدوره إلى تقليل كمية المعروض الذي يتم ضخه إلى السوق.

ونحن نعتقد أن السوق العقاري في مصر وخاصة القطاع السكني بدأت تواجهه بعض الصعاب، وفي ظل تحديات السيولة الحالية وضح التأثير على وتيرة الاستثمار العقاري بين المصريين. ويبدو أن هناك ميلا للإبقاء على النقد من قبل المستثمرين بدلا من الاستثمار في أي من الأصول على المدى المتوسط وذلك يؤدي بدوره إلى الشعور بالتباطؤ في السوق. وتظل القدرة على تحمل التكاليف بمثابة القضية الرئيسية بسبب التفاوت في توزيع الدخل في مصر. ومع ذلك، فإننا عند رأينا في أنه لايزال هناك طلب حقيقي على الإسكان في القطاعات فوق المتوسطة والمتوسطة والقطاعات ذات الدخل المنخفض بغض النظر عن نقص السيولة أو ندرة الرغبة في الاستثمار.

كما نتوقع أيضا أن يعود بعض المطورين الآخرين من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى إلى مزيد من الاستثمارات في المشاريع التنموية الضخمة حيث تبدأ مصر استعادة النشاط الاقتصادي.

مخاطر هبوط النمو

ذكر التقرير ان مصر قد تواجه المزيد من مخاطر انخفاض معدل النمو على المستوى الخارجي نظراً لانخفاض الطلب من الاتحاد الأوروبي وهو بمثابة الشريك التجاري في أعقاب أزمة الديون السيادية. أما على المستوى المحلي، فتشير العديد من المؤشرات إلى قلة جودة الوظائف في سوق العمل المصري الرسمي خلال السنوات الأخيرة. وارتفع المعدل الكلي للبطالة في مصر إلى 12 في المئة في عام 2011 من 9 في المئة في عام 2010.

توقعات العملة والسياسة المالية

قال التقرير ان الحكومة المصرية تهدف الى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تسهيلات ائتمانية بقيمة 4.8 مليارات دولار وذلك خلال عام 2012، والتي من المرجح أن تكون مرتبطة ببرنامج متوسط الأجل للحد من العجز المالي. وتهدف الحكومة الى وصول العجز الكلي في الميزانية للسنة المالية 2012/2013 إلى 7.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، والذي نعتبره تطلعاً متفائلاً للغاية. وسوف نقوم بتعديل توقعاتنا المالية على أساس تحديث البيانات التي ستصدر عن البنك المركزي، وقد نخفض توقعاتنا للعجز للسنة المالية 2012/2013 إلى 10 في المئة من إجمالي الناتج المحلي من تقديرنا السابق عند 11.2 في المئة. ومع ذلك، فإنه لايزال أعلى بكثير من النسبة التي تستهدفها الحكومة لهذا العام.

ونظراً لضعف اليورو مقابل الدولار، فإن الجنيه المصري قد يتم تقييمه بأعلى من قيمته، مما دفع البنك المركزي للحد من تدخله في سوق الصرف الأجنبي والسماح للمزيد من الاستهلاك السريع للعملة.

ونتوقع أن يبلغ متوسط سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار عند 06.1 جنيه مقابل كل دولار في عام 2012، في حين يتوقع ان يصل إلى 6.8 في عام 2013. كما أننا نتوقع أن يعزز استقرار الوضع السياسي وتحسن أسس الاقتصاد الكلي من وضع الجنيه في عام 2014 وما يليه.

وفي هذا الإطار، نتوقع أن يبلغ متوسط سعر صرف الجنيه 6.50 جنيهات لكل دولار في الفترة من عام 2014 وحتى 2016.