ثمة «صرعة» سائدة في العالم العربي وهي ظهور شبان يقدمون الرقص الشرقي. نلاحظ هذه الظاهرة في لبنان وفي مصر وهي وصلت إلى الغرب، وتنظر وسائل الإعلام إليها باعتبارها أمراً غريباً على العادات والتقاليد وتخصص الحلقات لتفسير معانيها والهدف منها.

لا ضرر في القول إنه إذا عدنا إلى الماضي لوجدنا في كثير من المراجع العربية والأجنبية حديثاً عن رجال كانوا يجيدون الرقص الشرقي. فقد لاحظ الكاتب التركي إرفن جميل شكّ في كتابه «الاستشراق جنسياً» أن فلوبير كتب الكثير حول حفلات لهو كوتشوك هانم، لكن لم يكتب سوى القليل جداً عن افتتانه بالراقص منحرف الملبس حسن البلبيسي.

Ad

كتب المستشرق والرحالة البريطاني إدوّارد لين عن «أخلاق وعادات المصريين المحدثين»، فقال: «ممارسة الرجال للرقص الشّرْقيّ كانت سائدة، ذلك لتسامح المجتمع مع رقص الرجال، ورفضه أن ترقص النساء أمام الرجال، لذا منعت الراقصات من الرقص في القاهرة». ونستدرك هنا لنقول إن الكثير من الكتاب اللبنانيين اهتموا بعروض الراقص ألكسندر بوليكفتش الذي اعترض على «عنصرية» الرقص الشَّرْقيّ، رافضاً أن يكون حكراً على النساء، لذلك رقص على مسرح «دوّار الشمس» في بيروت، رافضاً بقاء هذا الرقص قرين «العروض الرخيصة والترفيه الذكوري»، كما جاء في الكلمة التي رافقت ملصق العرض.

وتحت عنوان «محاولة أولى»، رقص بوليكفتش بتقنية تفوق بمهارتها تلك التي تجيدها الراقصات، لكنه على رغم ذلك، لم يستطع أن يقنع جمهوره كله بأن هزّ البطن، يمكن أن يكون فناً رجالياً. تقول الكاتبة سوسن الأبطح في مقالة لها: «على رغم التصفيق الذي أطلقه البعض في نهاية الحفل، مستزيداً بوليكفتش طالباً عودته إلى المسرح، فإن عديدين آخرين خرجوا من قاعة العرض، وعلى محياهم ابتسامات وكأنهم يستغربون ما شاهدوا أو ربما يستنكرونه أو يستقبحونه. فالناس جاؤوا إلى المسرح يسبقهم فضولهم ورغبتهم في اكتشاف هذا الرجل الذي يريد أن يزاحم النساء على واحد من الفنون القليلة التي سجلت تاريخياً باسمهنّ».

حول عرض راقص آخر قدمه بوليكفتش على مسرح «دوّار الشمس» كتب الشاعر عباس بيضون: «ليس عرض ألكسندر بولكيفتش مجرد وصلة رقص شرقي يؤديها الرجل فالرقص الشرقي هنا هو مفتاح مواجهة للمدينة وفي المدينة يقوم بها، بعنف، الرقص التعبيري. هكذا نجد الراقص وهو يحرك رأسه الذي اتصل بحبل طويل يطوق أثناء هز الرأس عنقه، أو نراه وهو بجسد محنط سقطت أطرافه ويبست ملامحه. إننا في عرض ينافي الرقص الشرقي الذي هو في الأصل لعب بمفردات الجسد الأنثوي».

نبت الرقص الشرقي في ظل ثقافة الجواري والقيان والنظرة المتاعية إلى المرأة، فتشكل لغرض إظهار مفاتن جسد المرأة وغنجها وأنوثتها لأجل إمتاع الرجل، فيما ابتكرت رقصة الرجل على شكل إظهار قوته وفروسيته، لذلك كنا نرى، ولا نزال، التقييم التقليدي لدينا لأنواع الرقص الغربي سلبياً.

ما قدمه ألكسندر بولكيفتش «كسر القالب»، وهو إشارة إلى واقع الجسد ومحرّماته في العالم العربيّ. ليس الرقص الشرقي فحسب، بل كل ما يمتّ بصلة إلى حرية الجسد. على أن رقص بولكيفتش أبعد من أن يكون رقصاً تعبيرياً، فالتعابير تبقى هامشية أمام فكرة أن الرجل يقدّم الرقص الشرقيّ.

لعل هذه الظاهرة تعود إلى عقود خلت، لكن الجديد فيها صعود موجتها وكأنّ العالم مقبل على جنس جديد من البشر يجمع الأنثى والرجل معاً، تماماً كتجربة مغني البوب الأميركي الراحل مايكل جاكسون الذي اعتبره بعضهم «إنسان ما بعد الحداثة».

والغريب ليس في أن الرجل يرقص الشرقي بل في أن بعض «المثقفين» يقدم مديحاً لرجل يرقص الشرقي بطريقة تقنية، فيما يصف الراقصات بالابتذال من دون تقديم تعريف لـ{الابتذال».