رغم نجاح نظام «القبة الحديدية» الدفاعي أخيراً ضد «حماس»، ستطرح الصواريخ الإيرانية تحدياً أصعب بكثير.

Ad

إذا نفذت إسرائيل تهديداتها القائمة منذ سنوات واستهدفت منشآت إيران النووية فعلاً، تعهّد الإيرانيون بالرد عليها بجميع الإمكانات التي يملكونها. تشمل إحدى وسائل الرد التي تملكها إيران إطلاق اعتداءات صاروخية ضد إسرائيل بشكل مباشر وعبر العملاء مثل «حماس» و«حزب الله».

ستتوقف طريقة تأقلم إسرائيل مع هذا الوضع على نظامها الصاروخي الدفاعي الجديد الذي يشمل «القبة الحديدية»، وهو أحدث ابتكار في النظام العسكري الإسرائيلي المتطور. يُعتبر نظام «القبة الحديدية» الحل المنشود في بلدٍ يتعرض لاستهداف متكرر بالصواريخ: تبلغ قيمته 210 ملايين دولار وهو عبارة عن نظام دفاعي جوي متحرك طوّرته الشركة الإسرائيلية «رافاييل لأنظمة الدفاع المتقدمة» (مع تمويل إضافي من الولايات المتحدة)، وتعمل الشركة بالتنسيق مع قوات الدفاع الإسرائيلية. صُمّم هذا النظام لاعتراض وتدمير الصواريخ القصيرة المدى والقذائف المدفعية التي يتم إطلاقها من مسافات تقع على بُعد يصل إلى 70 كلم، ويُعتبر هذا النظام مستقبل الدفاع عن البلد بحسب رأي القادة الإسرائيليين.

يعود نظام «القبة الحديدية» في الأصل إلى حرب لبنان الثانية في عام 2006. خلال تلك الأعمال العدائية، أطلق «حزب الله» اللبناني حوالي 4 آلاف صاروخ «كاتيوشا» على شمال إسرائيل، بما في ذلك ثالث أكبر مدينة، حيفا. قُتل عدد من الإسرائيليين وأُجبر الآلاف على الاختباء في الملاجئ. في غضون ذلك، كان الوضع سيئاً منذ سنوات في جنوب البلد. بين عام 2000 وحرب لبنان الثانية، أطلقت كتائب «عز الدين القسام» (الجناح العسكري لحركة «حماس») آلاف الصواريخ المصنوعة في غزة من نوع «قسام»، فضلاً عن صواريخ إيرانية الصنع من نوع «فجر 5»، على جنوب إسرائيل حيث يعيش حوالي مليون إسرائيلي ضمن نطاق استهداف الصواريخ.

كانت الاعتداءات الصاروخية التي بدت لامتناهية من غزة ولبنان كافية لحث الحكومة الإسرائيلية على التحرك. بعد حرب لبنان بفترة قصيرة، في فبراير 2007، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، عمير بيرتس، أن شركة «رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة» ستطور درعاً صاروخياً دفاعياً جديداً (القبة الحديدية) وهو سيكون الحل الدفاعي الإسرائيلي للتصدي لمخاطر الصواريخ القصيرة المدى.

يهدف النظام إلى أمر بسيط: اعتراض الصواريخ والطائرات والمدفعيات وتدميرها في الجو قبل وصولها إلى المناطق المأهولة. يعمل النظام على ثلاث مراحل. تشمل المرحلة الأولى رصد الصواريخ القادمة عبر استعمال أجهزة رادار تشكّل جزءاً من النظام. بعد رصدها، تبدأ المرحلة الثانية المتعلقة بإدارة المعركة ومراقبة الأسلحة، ما يعني تشغيل «ذكاء» النظام. يحتسب نظام إدارة المعركة ومراقبة الأسلحة مسار الصاروخ القادم: إذا كان متوجهاً نحو منطقة غير مأهولة، مثل الحقول، لا يشتغل النظام. إنه أمر ضروري لضمان تراجع كلفة النظام نظراً إلى إطلاق آلاف الصواريخ من لبنان وغزة نحو إسرائيل، ويسقط معظمها من دون التسبب بأي أذى في المناطق غير المأهولة.

لكن إذا كان الصاروخ متوجهاً نحو مدينة أو منطقة مأهولة، تبدأ المرحلة الثالثة من النظام وتطلق «القبة الحديدية» صاروخاً اعتراضياً لإعاقته وتدميره. يحدد النظام أفضل مكان لاعتراض الهدف المرتقب في محاولةٍ لتجنب سقوط الركام فوق المناطق المأهولة. يقوم نظام إدارة المعركة ومراقبة الأسلحة بتوجيه الصواريخ الاعتراضية في البداية قبل أن يشتغل الرادار للاقتراب قدر الإمكان من الصواريخ القادمة. بعد تلك المرحلة، يفجّر النظام الرأس الحربي الذي يحمله الصاروخ، فيتدمّر مع الصاروخ المستهدَف. يكلّف كل صاروخ اعتراضي حوالي 60 ألف دولار، ما يعني أن الدقة تحتل أهمية كبرى.

النظام متحرك (يمكن نقله في شاحنة) ويمكن استعماله في مختلف الأحوال الجوية، ليلاً أو نهاراً. يكلف تركيب كل بطارية في «القبة الحديدية» حوالي 50 مليون دولار، وتعتبر الحكومة أن الكلفة رخيصة. فور الإعلان عن تشغيل النظام في 27 مارس 2011، استُعمل بالقرب من مدينة بئر السبع، في صحراء النقب في جنوب البلاد. بعد بضعة أسابيع، نجح النظام في اعتراض صاروخ تم إطلاقه من غزة للمرة الأولى. بحلول أبريل 2012، كان النظام قد اعترض 93 صاروخاً.

لكن أثبت نظام «القبة الحديدية» قيمته الفعلية خلال عملية «عمود السحاب» الأخيرة في غزة. في أولى أيام الصراع، أعلنت قوات الدفاع الإسرائيلية أن نظام «القبة الحديدية» اعترض 90 صاروخاً من أصل 250 بعد أن أطلقتها جماعات متطرفة من الأراضي الفلسطينية في اليوم السابق، وهو معدل مبهر تصل نسبته إلى 85 في المئة (لا ننسى أن النظام يرصد الصواريخ التي تتوجه نحو الأراضي غير المأهولة ولا يعيق مسارها في هذه الحالة). في الفترة الأخيرة، أعلن القادة الإسرائيليون أن نسبة نجاح النظام بلغت 90 في المئة طوال فترة الصراع.

عشية يوم الثلاثاء الماضي، كتبت قوات الدفاع الإسرائيلية على موقع «تويتر» أن الدرع اعترض 389 صاروخاً من غزة، وقد كان ناشطاً في أنحاء البلد إلى أن أُقرّ اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و»حماس» يوم الأربعاء. تم استعمال أربع بطاريات من نظام «القبة الحديدية» في البداية (يتم التخطيط لاستعمال ثمانية إضافية مستقبلاً)، إلى جانب بطارية خامسة تُستعمل في تل أبيب، أكبر مدينة في إسرائيل وأبرز مركز مالي فيها. في السابق، كانت تل أبيب تُعتبر بعيدة عن نطاق استهداف الصواريخ الآتية من غزة، لكن «حماس» وجماعات متطرفة أخرى طورت إمكاناتها الصاروخية وتعرضت المدينة للاستهداف بشكل متكرر خلال الصراع. تم استعمال البطارية في تل أبيب بعد فترة قصيرة من تركيبها، فدمرت صاروخاً فور إطلاقه في الجو باتجاه المدينة.

لكن سرعان ما اتضحت حدود فاعلية النظام (هو يستطيع اعتراض الصواريخ التي يتم إطلاقها من مسافة 70 كلم تقريباً) بعد اعتداء تل أبيب، وهو أمر مقلق بالنسبة إلى إسرائيل لأنها لن تستطيع اعتراض الصواريخ الطويلة المدى التي يتم إطلاقها من إيران. ما يثير قلقاً أكبر هو أن الإيرانيين يدركون أن النظام يعجز عن ذلك. وفق الجنرال الإيراني مسعود جزايري، لا يضاهي نظام «القبة الحديدية» قوة الصواريخ الإيرانية. هو يعتبر أن «ما قيل عن هذا النظام هو مجرد «حرب نفسية وحملة دعائية»: «ما من قبة حديدية في العالم لا نستطيع اختراقها».

لكن تدرك إسرائيل، مثل إيران، حدود فاعلية «القبة الحديدية»: تهدف قوات الدفاع الإسرائيلية في نهاية المطاف إلى إرساء نظام دفاعي متعدد الطبقات يشمل «مقلاع داود» (أو «العصا السحرية»)، وهو نظام صُمّم لاعتراض الصواريخ المتوسطة المدى، بما في ذلك الصواريخ الإيرانية الصنع التي يملكها «حزب الله»، ومن المتوقع أن يصبح جاهزاً في عام 2015.

في ما يخص الصواريخ الإيرانية «شهاب 3»، تحضّر إسرائيل نظام «آرو» (السهم) الأكثر تقدماً. خلال اختبار ليلي حديث في قاعدة عسكرية في جنوب تل أبيب، اعترض نظام «آرو» صاروخاً أطلقته من علو مرتفع طائرة مقاتلة F-15 معدة لمحاكاة الصاروخ الإيراني «شهاب 3».

لكن على الرغم من نجاح «القبة الحديدية» في غزة، لا تزال إسرائيل ضعيفة في وجه الاعتداءات الصاروخية الإيرانية. قد يكون هذا الواقع المزعج والحتمي سبباً وجيهاً آخر يمنع قادة إسرائيل العسكريين من شن الضربة التي تحدثوا عنها طويلاً ضد إيران.

David Patrikarakos