نادراً ما تنتقل الحركة في العمل المبهر Anna Karenina إلى خارج محيط المسرح الذي يُستعمل كخلفية للأحداث واستعارة في بعض المشاهد. نتيجةً لذلك، نصبح أمام لوحة فنية مصغرة لكن غنية في قيمتها: خلال ذلك المشهد الافتتاحي الساحر في المسرح، تركز الكاميرا على لعبة بشكل قطار، مع أن الجميع يعلمون أن القطار في هذه القصة لن يكون مجرد لعبة.كما فعل رايت حين اقتبس أعمالاً أدبية مبهرة أخرى، مثل Pride and Prejudice وAtonement، اختار هذا المخرج كيرا نايتلي مجدداً لأداء دور البطلة المعقدة، وهي في هذه الحالة زوجة مرموقة تنقلب حياتها المترفة في سانت بيترسبورغ في القرن التاسع عشر حين تقابل الكونت فرونسكي المندفع (يؤدي دوره آرون تايلور جونسون ولا بد من الاعتياد على شكله الغريب في الفيلم حيث يظهر بشارب رفيع وشعر أشقر). بقدر ما تتسم نايتلي بالجاذبية في دور المرأة الراشدة الجميلة التي تستسلم لشغفها العاطفي، تنجم عبقرية هذا العمل أساساً عن أداء رايت وقرار كاتب السيناريو توم ستوبارد بالتركيز على الثنائيات الأخرى في قصة تولستوي، علماً أن الصراعات الأخلاقية والروحية والسياسية التي تعيشها تلك الشخصيات لم تأخذ حيزاً كبيراً في نسخ الأفلام الأخرى. فضلاً عن التركيز على مثلث الحب بين آنا وفرونسكي وزوج آنا، كارنين (يؤدي دوره بكل براعة جود لو)، يحصل المشاهدون على إضافة رائعة إذ تتسنى لهم مقابلة الثنائي الشاب والمثالي ليفين وكيتي (دومنول غليسون وأليسيا فيكاندر)، فضلاً عن شخصية دولي المعذّبة منذ فترة طويلة (كيلي ماكدونالد) وزوجها المخادع أوبلونسكي (ماثيو ماكفادين).من خلال تقديم حوارات غنية من ابتكار ستوبارد، إلى جانب خلفية متغيّرة تجعل مواقع التصوير تتنقّل بلمح البصر بين مكتب ومقهى وقصر وحلبة خيل، يقدم رايت قصة Anna Karenina بدقة وشقاوة لافتة وشغف ملحوظ على شكل لوحة حية تمهد تدريجاً للأحداث المأساوية. (تشمل أبرز المشاهد لقطة ذكية في مكتب أوبلونسكي وسباق خيل ومحادثة ضمنية بين ليفين وكيتي، ويقدم رايت هذه المشاهد بطريقة عذبة وبسيطة).نفحات جماليةتشبه رؤية رايت المسرحية ونفحاته الجمالية أسلوب باز لورمان وويس أندرسون، لكنه يتفوق على هذين المخرجين من ناحية البُعد الأخلاقي والنضج. حتى عند التركيز على النواحي الجمالية وأدق التفاصيل (مثل الوشاح الذي ترتديه آنا في مرحلة متقدمة من الفيلم، ما يجسّد امرأة عالقة في فخ من صنعها)، لا يصبح العمل مبتذلاً أو خفيفاً بأي شكل.بفضل أفكار ستوبارد الحذقة، يركز المخرج على أبرز الرسائل الرومانسية والفلسفية في قصة «آنا كارنينا» (إنه تقييم واضح لحالات الخداع والمشاعر الإنسانية المرافقة لها ومدى الاقتناع بالجوانب الأخلاقية)، ما يوصل الشخصيات إلى حياة متوترة ومشوّقة.تماماً مثل التحفة الأدبية التي استوحى منها الفيلم قصته، يطرح فيلم Anna Karenina بعض الأسئلة الصعبة في الحياة (حول الخير والشر وكلفة الاختيار بينهما)، لكن مع التركيز على بعض الجوانب المغايرة والأحاسيس الصادقة، ما يجعل أعمق الحقائق المطروحة ترتقي إلى أعلى مستويات الخيال الراقي والشاعرية الصافية.في فيلم المخرج رايت، تقوم شخصية آنا كارنينا بالغناء والرقص والتحليق في النهاية، مع أن هذه البطلة الأسطورية تغوص في أقصى أعماقها ويكون هذا الأمر كفيلاً بتدميرها.
توابل - Movies
Anna Karenina... مثيرٌ للاهتمام
01-12-2012